كان من نتائج الأزمة الكورية، بوتيرتها المتصاعدة في السنوات العشر الماضية، أن شهدت منطقة شمال آسيا سباقاً محموماً للتسلّح، متنامياً في حجمه ونوعيته. كما اتجهت الولاياتالمتحدة لإعادة رسم لوجودها العسكري في الباسفيك، سارعت خطاه، إضافة للقضية الكورية، توجهات الصين العسكرية المستجدة، ومحاولات روسيا البحث عن دور، في منطقة اعتبرت تقليدياً ساحة نفوذ أميركي تام. وفي أحد أبعاد تحركها، اتجهت الولاياتالمتحدة لتعزيز قدراتها العسكرية النوعية في كوريا الجنوبية، على الرغم من الخطط الخاصة بخفض تعداد قواتها هناك. وجاء هذا التطور متزامناً مع إعادة نشر القوات الأميركية في جنوباليابان لمواجهة احتمال هجوم صيني على تايوان. وفي ضوء الاحتمال ذاته، اتجهت الولاياتالمتحدة لإعادة تأطير العلاقات العسكرية مع الفلبين، التي أنهى فيها الأميركيون خلال العقد الماضي أكبر قاعدة عسكرية لهم فيما وراء البحار. كما اتجهت الولاياتالمتحدة لإعادة صوغ علاقاتها الأمنية والعسكرية مع كل من تايلاند وسنغافورة. وقد حدثت هذه التطورات بالتوازي مع إعادة اليابان تعريف دورها الإقليمي والدولي، والذي كان من نتائجه صوغاً جديداً لعقيدتها العسكرية، عززته تعديلات دستورية سمحت لطوكيو بالمساهمة في مهمات "حفظ سلام" خارج أراضيها، كما حدث في تيمور الشرقية. ثم جاء التطوّر الأبرز بإقرار مبدأ إرسال قوات للقيام بمهام مدنية وقت الحرب، كما حدث في العراق. ومن المرجح أن اليابان متأثرة بالملف الكوري والتسلح الصيني، سوف تتجه نحو تنمية قدراتها الدفاعية وتعزيز بنيانها العسكري، مما سيحفز الصين على مزيد من التسلح، والذي بدوره سيشكل حافزاً لتايوان للمضي قدماً في تعزيز ترسانتها العسكرية، بل إن التأثير المتتالي لسباق التسلح سيمتد لدول جنوب شرق آسيا عامة. ففي كوريا الجنوبية، وطبقاً للخطة متوسطة المدى التي أعلنتها وزارة الدفاع الوطني، فإن القوات المسلحة للبلاد سوف تمضي نحو مزيد من التعزيز التكنولوجي والتنظيمي. وتشير الخطة إلى أن أهداف القوات المسلحة الكورية حتى العام 2011 تتمثل في تحسين وسائل الاستطلاع والإنذار المبكر، وبناء نظام القيادة والاتصالات، الذي يُمَكن من اندماج الطاقات والقدرات القتالية، وتقوية قدرات القصف بعيد المدى، وتوسيع القدرات التكتيكية لحماية خطوط النقل الرئيسية، وزيادة التدريب لتنفيذ الاستراتيجيات الدفاعية في الأجواء العالية والمتوسطة الارتفاع. كذلك، تقضي الخطة بتأسيس قيادة للاستراتيجيات الأرضية في الجيش، وقيادة للقوات المتحركة في البحرية، وقيادة للقوات الجوية في المناطق الشمالية، من أجل تنفيذ نشاطات الاستطلاع في جميع أنحاء شبه الجزيرة الكورية، وإجراء عمليات القصف الدقيقة. ونصت الخطة على تخفيض عدد القوات المسلحة من 691 ألفاً إلى 634 ألف جندي مع نهاية العام 2011. وهو جزء من الخطة العسكرية طويلة المدى لتخفيض عدد القوات المسلحة إلى خمسمائة ألف بحلول العام 2020. هذا في كوريا، أما في اليابان فقد توصلت طوكيو إلى اتفاق مع واشنطن حول إعادة نشر القوات الأميركية الموجودة في جزيرة اوكيناوا اليابانية. وتوصل الجانبان إلى اتفاق يتضمن نقل قوات البحرية الأميركية الموجودة في قاعدة اوكيناوا الجوية إلى معسكر "شواب" حتى العام 2014. ونقل ثمانية آلاف جندي أميركي من قاعدة اوكيناوا إلى جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهندي. وتم التوافق على أن تتحمل اليابان 10.3 مليارات دولار مقابل إعادة نشر القوات العسكرية الأميركية. ومن اجل تعزيز التحالف الدفاعي بين واشنطن وطوكيو، تقرر نقل مركز قيادة الفرقة الأميركية الأولى من الولاياتالمتحدة إلى قاعدة زاما في كاناكاوا باليابان. وبحيث تشكل في قاعدة زاما اليابانية "قوات الاستعداد المركزية"، المكلفة مكافحة النشاطات الإرهابية. وستبقى هناك حتى العام 2012. كما جرى الاتفاق في الوقت ذاته على نقل قيادة قوات الدفاع الصاروخية اليابانية إلى قاعدة يوكوتا حتى العام 2010. وفي آذار مارس 2007 ، أعلنت كلٌ من الولاياتالمتحدةواليابان وأستراليا عن إقامة تحالف عسكري ثلاثي، تُبع بالإعلان عن مشروع ( أو فكرة ) لإقامة منظومة دفاعية مشتركة مضادة للصواريخ في آسيا. وقد أثار هذا المشروع حفيظة كل من الصين وروسيا، حتى قبل الإعلان الرسمي عنه. فمنظومة صاروخية من هذا القبيل سوف تُمَكن الولاياتالمتحدة من محاصرة القوات النووية الصينية المتواضعة نسبياً، ستفرض في الوقت نفسه حصاراً على قاعدة (كامتشاتكا) الروسية الاستراتيجية، الخاصة بالغواصات المحملة برؤوس نووية. ومبدئياً، تعتزم الولاياتالمتحدة مَد مظلتها للدفاع المضاد للصواريخ إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية، وعدد آخر من دول آسيا الباسفيك. وفي نيسان أبريل الماضي، أعلن وزير الخارجية الياباني أن الارتباط بهذه المظلة يُعد "إجراءً اضطرارياً" لبلاده. ويرى مدير وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، الفريق هنري أوبرنغ، أن اليابان وإسرائيل والمملكة المتحدة "تتصدر جهود التعاون" في مجال منظومات الدفاع الصاروخي. وأشار أوبرنغ إلى أن ما أنفقته طوكيو في هذا السبيل قد تجاوز المليار دولار. وتعتبر اليابان أول دولة تقيم راداراً نقالاً، اتساقاً مع المنظومة الأميركية المضادة للصواريخ. ويُنصب هذا الرادار في المواقع المتقدمة، ويمكنه تأمين صوّر عالية الدقة للصواريخ القادمة عن بعد، وتعقبها والتمييز بينها. وقد اعتبرت اليابان، في الرابع من تموز يوليو الجاري، إطلاق كوريا الشمالية سبعة صواريخ "سكود"، ذاتية الدفع، بأنه عمل استفزازي خطير، يهدد أمن الدول المجاورة. وذكرت صحيفة "مينيتشي" اليابانية، في الخامس من الشهر ذاته، أن طوكيو تدرس إمكانية استخدام نظام دفاع صاروخي جديد، يطلق من الأرض، لاستكمال وسائل الاعتراض الصاروخية، التي تملكها في الوقت الحاضر. وسبق أن نشر الجيش الياباني وحدات محملة بصواريخ باتريوت، في مقاطعتي أكيتا وايواتي الشماليتين. وقد أوضحت الولاياتالمتحدة لليابان بأنها لن تعترض على قيام جيش الدفاع الذاتي الياباني بتشكيل القوة العسكرية المطلوبة لتوجيه ضربات منسقة إلى "قواعد العدو"، عندما يتعرض أمنها القومي للخطر. وإذا أضفنا إلى ما يجري في اليابان وكوريا الجنوبية عمليات تعزيز القدرات العسكرية القائمة على قدم وساق في كل من سنغافورة وتايلاند وتايوان، فضلاً عن الصين ذاتها، ندرك أن المنطقة قد انزلقت فعلاً إلى سباق للتسلّح، فائقاً ومتنامياً.