يجدر بالمبعوث الأمريكي جورج ميتشيل أن يعرج خلال زيارته القادمة لإسرائيل على برج بلاتينوم في تل أبيب ويتحدث مع رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت. سيكون الأمر مثيرا حقا. لان اولمرت سيخبره أنه استضاف في منزله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الثالث عشر من سبتمبر 2008 بعد أن استقال وبقي على رأس حكومة انتقالية وعرض عليه اقتراحاً مفصلاً للتسوية السلمية. وقبلها بأسبوعين كان قد عرض على محمود عباس خارطة الدولة الفلسطينية، إلا أن عباس أبدى انزعاجه من الخريطة لأن مساحة الدولة المقترحة صغيرة جدا. في هذه المرة أعد اولمرت خارطة كبيرة للحدود المستقبلية والتواءاتها والتي أعدها بمساعدة خبير خاص من خارج الجهاز الرسمي. خارطة اولمرت اقترحت على الفلسطينيين إقامة دولتهم على 93.5 في المائة من مساحة الضفة الغربية، والحصول على 5.8 في المائة أخرى في مناطق بديلة في إسرائيل والباقي يحصلون عليه على شكل "ممر آمن" من الضفة الى قطاع غزة. الخريطة تبقي الكتل الاستيطانية ضمن السيطرة الإسرائيلية -معاليه ادوميم، اريئيل، غوش عتسيون- واقترحت مقابلها مناطق جنوبي جبل الخليل وجبال يهودا وغور بيسان. على حد قول الفلسطينيين، اقترح اولمرت أيضاً تقسيم منطقة التماس بجانب اللترون. ومجموع ذلك كله يساوي مساحة الضفة الغربية بالكامل. في القدس اقترح اولمرت تقسيم السيادة بين الأحياء اليهودية والعربية وإبقاء "الحوض المقدس" في البلدة القديمة ومحيطها من دون سيادة تحت إشراف لجنة دولية بمشاركة إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة والأردن والسعودية. أما أساس الاقتراح فكان حول قضية اللاجئين. اولمرت لم يعترف ب "حق العودة" الذي يطالب به الفلسطينيون، ولكن وافق على استيعاب عدد صغير من اللاجئين على مدار خمس سنوات، "كعدد الأشخاص الذين يستطيعون الدخول للمقاطعة في رام الله" أي 2000 الى 3000. وبحسب الرواية الإسرائيلية طلب عباس من اولمرت أن يعطيه الخارطة. غير أن اولمرت قال له "إن وقعت عليها ستحصل عليها". فهو لم يرغب بإعطاء الفلسطينيين وثيقة تكون خط بداية للمفاوضات القادمة وأساساً للمطالبة بتنازلات جديدة من إسرائيل. لكن عباس رد على اولمرت بالقول إنه يريد دراسة التفاصيل بمساعدة خبير في الخرائط واقترح العودة في الغد للقاء آخر برفقة صائب عريقات والخبير في الخرائط. اولمرت وافق، ولكن عباس لم يرجع في اليوم التالي. ولا في اليوم الذي بعده، حتى أنه لم يتصل. وأوضح في وقت لاحق في مقابلة مع ال "واشنطن بوست" بأنه رفض اقتراح اولمرت لأن "الفجوات كانت كبيرة" وفقا لرواية عريقات، فالفلسطينيون يطالبون بالسيادة الكاملة على منطقة "الحوض المقدس" وليس لديهم استعداد لتسليمه لأي هيئة دولية. كما أنهم يريدون تقليص الكتل الاستيطانية التي يسعى اولمرت لضمها لإسرائيل. ولكن هذه الرواية جاءت متأخرة، وليس كرد مباشر على اولمرت. ولم يتصل عباس باولمرت إلا بعد أن ترك منصبه نهائياً لتوديعه فقط. ما الذي يمكن استنتاجه من هذه الرواية؟ ردود الفعل السياسية متوقعة. اليمين سيدعي بأن الفلسطينيين رفضوا اقتراحاً سخياً مرة أخرى، وان هذا دليل آخر على عدم وجود شريك وعلى عدم وجود ما يمكن التفاوض حوله. كما أن المسئولين في مكتب نتنياهو اعتبروا مقابلة عباس التي اعترف فيها برفض الاقتراح كنزاً إعلامياً لا تنازل عنه. أما اليسار فسيدعي بان اولمرت لم يقدم ما يكفي. إن خرجنا من الجدل السياسي فالعبرة الجوهرية المتمثلة في اقتراح اولمرت هي أن مواقف الجانبين لم تتغير تقريبا منذ إخفاقات كامب ديفيد وطابا. تسع سنوات من الحروب والجمود السياسي وآلاف القتلى من الجانبين لم تخفف من هذه المواقف. الفلسطينيون لم يخضعوا وإسرائيل لم تنكسر. من الممكن على ما يبدو تحقيق تسوية حول حدود متفق عليها، إلا أن إسرائيل لا ترغب بأن يعود الفلسطينيون الى أراضيها، والفلسطينيون يريدون أن تبقى منطقة المسجد الأقصى بأيديهم. ليس لدى أي طرف استعداد للتنازل عن رموزه الوطنية والقول لشعبه بأن وعود الماضي "سنعود الى قرانا في فلسطين" و"القدس الموحدة بيدي إسرائيل الى الأبد" كانت مجرد اوهام. أما الدرس الثاني فيتعلق بالإجراءات، إن تركنا الجانبين لوحدهما فإنهما لا يستطيعان التوصل الى تسوية. هما بحاجة الى مرافقة ثابتة من وسيط خارجي ومن المفضل أن يكون أمريكا من اجل جسر الهوة بين المواقف وتقديم إغراءات مقابل التنازلات المؤلمة. وهذا ما يجب أن يكون عليه دور الرئيس باراك اوباما ومبعوثه ميتشيل. الوف بن صحيفة هآرتس