يرصد الناقد الدكتور منصور المهوس في كتابه الجديد (صورة الرجل في الرواية النسوية السعودية.. رؤية ثقافية جمالية) الصادر من مؤسسة اليمامة الصحفية "سلسلة كتاب الرياض" صورة الرجل من منظار الكاتبة السعودية وموقفها منه، كما يتناول الكتاب مدى وعيها بذاتها وبمجتمعها. الرياض توقفت أمام هذا الدارسة المميزة لتحاور الناقد المهوس وتبرر مدى ما وصل إليه في هذا الكتاب. س- ما دواعي اختيارك لهذا الموضوع، لاسيما أنه سبق تناوله من قبل بعض الباحثين والباحثات في أطروحاتهم العلمية؟ البواعث لتناول هذا الموضوع متعددة منها: -الدفق المتواصل للنتاج الروائي النسوي، ومحاولة رصد هذه الظاهرة، فجاء هذا البحث مشاركة في الكشف عن ملامح هذا الفن، من خلال بوابة (الرجل). كذلك أهمية تجلي مدى الوعي الثقافي وتصاعده لدى الكاتبات، وخير من يكشف ذلك هو الرجل، فهو يحتل، بوصفه شخصية روائية، موقعاً مؤثراً في الكشف عن رؤية الكاتبات نحو الذات والواقع والمجتمع، لذا كان منهجه (النقد الثقافي) لرصد خطابات الكاتبات ورؤيتهن نحو الرجل ومجتمعه وثقافته، وكيف تعاضد الشكل والمضمون، لتجسيد أثر هذه الرؤية على البعد الجمالي لهذه الصورة؛ إذ إن النص علامة ثقافية في الشأن الأول، ثم هو قيمة جمالية. فهو بحث يتتبع ظاهر الخطاب وباطنه لدى الكاتبات أكثر من تتبعه للظاهر الفني وبعده التقني. وبشأن الأطروحات التي سبقت بحثي فهي أطروحتان (ماجستير، في الأدب السعودي) وقد ذكرت ذلك في مقدمة البحث، في منعطف (الدراسات السابقة) وفرَقت بين بحثي وهذه الأطروحات. س - إلى ماذا يعود هذا الكم الكبير من البوح الروائي الذي أفرزته الكاتبة السعودية بشكل ملحوظ؟ - هناك عدد من المحرضات، منها موضوعية وملحة وبعضها متعاضدة: 1- سهولة الطباعة والنشر؛ لوفرة المال لدى الكاتبات، فأغلب هذه الروايات تم طبعها من التمويل الشخصي، من دور نشر خارجية غالباً، عن قصد لتعطي الرواية بعداً تسويقياً، وحضوراً يتجاوز حدود الوطن. 2-استسهال الكتابة وعدم الوعي بخطورتها، والاستفزاز الاجتماعي والثقافي للكتابة؛ إذ تم الاحتفال ببعض التجارب احتفالاً مبالغاً فيه. 3- تزامن مع ذلك اتساع هامش الحرية الثقافية، مما حرض الكاتبات على توظيفها؛ بغية كسر الأحادية، واقتناص اتساع الهامش الحواري والخطابي في المجتمع، وتجريب البوح والإفضاء وإقامة المناورة مع الآخر، الرجل. 4- التعاطف غير الحميد من بعض النقاد والمعتنين بالأدب النسوي السعودي، فما إن تصدر رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية نسويه إلا وتجد الحفاوة والتنويه والإشادة، مما أدى إلى التداخل بين الجيد والرديء، بين الغث والسمين. وهو مأزق الناقد الرجل، وهذا الاضطرار للاحتفاء بأي جديد نسوي يكشف عن شعور بدونية هذا الأدب عند النقاد المهللين لأي كتابة جديدة نسوية، وهم ربما لا يشعرون بذلك. س- أفردت باباً كاملاً عن جماليات التكوين الفني عند الروائية السعودية، هل وصلت تقنيات الروائية السعودية إلى مستوى تقنيات الروائي السعودي أو شارفت مستواه؟ - يظهر في سؤالك رؤية دونية للأدب الذي تكتبه الكاتبة السعودية، وهذه الرؤية لها مبرراتها في النتاج المحلي للكاتبة، بيد أن لدينا نماذج تتمتع بتقنيات تتجاوز تقنيات بعض الكتاب الروائيين، مثل رجاء عالم وليلى الجهني وأمل الفاران وصبا الحرز وغيرهن. مما ينقل كتاباتهن من دائرة الفرع، والرجل هو الأصل، إلى الالتقاء في منطقة محايدة تتلاشى فيها الفكرة المسيطرة بأن هدف الكاتبة هو مزاحمة الكاتب، والتأكيد على أنها تمتلك ما يمتلكه من رؤية وفعل كتابي. إلى تغيير هذه الفكرة إلى أن هدفها هو التأكيد على أنها تعمل معه في إعادة صياغة وعي المجتمع وكشف مضمرات خطاباته (مع أن بعض الكاتبات لم تصل إلى هذه المرحلة من الوعي الثقافي). وفي الروايات الأخرى التي اصطفاها البحث لا تخلو أي رواية من ملمح فني. وعملي هو التقاط هذه الملامح وتوزيعها وتقسيمها، وبذلك تكونت فصول هذا الباب ومباحثه. غلاف الكتاب س- هناك روائيات لم تدرس كل أعمالهن واكتفيت بدراسة عمل روائي واحد أو اثنين، لماذا تم اختصار هذه التجارب؟ أولا: لأن البحث حدد عام 2007م نهاية للرصد. ثانيا: أن بعض هذه التجارب هي تكرار للنموذج الأول؛ إذ الرؤية لم تتغير والخطاب هو ذاته في العمل الأول، فاكتفي بنموذج واحد. س- ألا ترى أن الروائية السعودية قد بالغت في إبراز صورة الرجل السلبية في الأعمال التي تمت دراستها حيث خرجا أكثر قتامة؟ - نعم. ولكن ليس كل الروائيات، والمشكلة هنا تكمن في مدى الوعي الثقافي والفني لدى الكاتبة، ويمكن رصده في ثلاثة مظاهر: أ - شعور المرأة بفقدان الوعي بالذات وبالآخر، الرجل. وهذا يدفعها إلى رفض الرجل داخلياً، والاستجابة له خارجياً تحت ضغط السلطة والسيطرة الذكورية. ب - وعي آخر يتقدم نحو الوعي بالذات وبالآخر إلا أنه وعي غير مكتمل، إذ تم تصعيد الرفض من الباطن إلى السطح، ومن السر إلى العلن، ومن الصراخ الصامت إلى الضجيج المتعدد، الذي يطالب بالمساواة بالرجل، والتمرد على سلطته، وإقامة قطيعة تواصلية معه، ومع السلطات الأخرى، الاجتماعية والدينية، ومحاولة (بعضهن) الخروج على هذه السلطات، فتلجأ إلى الاعتماد على الفضائحية وتكريس التابو. ففي المظهر الأول والثاني نشأت علاقة ضدية تعمق ثنائية الرجل والمرأة. فتكون محاولتها مجرد إعادة إنتاج للواقع ذاته، والتحرك في الثابت نفسه، فتحول خطابها إلى خطاب نواح أيدولوجي. بل امتد، في بعضهن، ليصل إلى (اسْتِناح) تبكي حتى تستبكي غيرها (القارئ). فتتحول الرواية إلى (مناحة)، ويمكن استبدال: رواية (....) للكاتبة (...)، إلى مناحة أو نوّاحة (....) للكاتبة (...). ج - محاولة فهم ما يجري وتقديم رؤية متوازنة تكسر آماد الثنائية بينهما. وهذه المسارات تؤكد على خطاب واحد، وهو أن الرجل وليد ثقافة متجذرة، تمجد الرجل على أنه قيمة بذاته، وأن المرأة تبع. ومع أن الدين الحنيف - بوصفه وحياً منزلاً، وبوصفه دين الفطرة - قد أنصفها إلا أن الثقافة بوصفها صناعة بشرية ذكورية (كما يرى الغذامي وإبراهيم الحيدري) قد بخستها حقها، وحولتها إلى كائن ثقافي مستلب. فالكاتبات، من خلال الرجل السلبي (المتسلط)، يصورن أن الثقافة ونسقها هي عدوتهن الأولى؛ إذ تمادت في تهميشهن، وبالغت في إطلاق يد الرجل في ساحتهن، حتى تكونت صورته الفريدة. هذه الشخصية توظفها الكاتبات لفضح الجمل الثقافية النسقية، واثقة الثبات في البنية الاجتماعية، والقادرة على استنساخ نماذجها من الذكور مدى الأجيال. س- هل ثمة تنامٍ حدث في بناء الرواية النسوية من حيث اللغة والأسلوب والصورة منذ إرهاصات سميرة خاشقجي حتى آخر رواية صدرت وتم رصدها في هذه الدراسة؟ - نعم. وهو تطور يتجلى في أكثر من مظهر: - بعض الروائيات لديها تطور ملحوظ في الرؤية والفعل، مثلاً رجاء عالم، ظلت زمناً تكتب في الغريب، والتجافي عن الواقعية، والتداخل في الأزمنة، وتوظيف الأسطورة والفلكلور، والواقعية السحرية. وهذا التفرد الإبداعي لرجاء عالم أوقعها في التكرار لموضوعات محددة، وأجواء متشابهة؛ مما دفع بأحد النقاد المتابعين والراصدين لتجربتها (عابد خزندار) لأن يرى أنها أصبحت مملة؛ لأنها تكرر نفسها في كل رواية. وكأن هذا الرأي الصادم لرجاء عالم كانت تشعر به قبل أن ينطق به هذا الناقد الكبير، فجاءت روايتها الأخيرة، والصادرة حديثاً (ستر) لتخرج من عالمها المغرق في أسطوريته ومجازيته لتواجه مشكلات واقعية، تجسدها شخصيات واقعية، وقريبة من البعد الزمني والمكاني. - بعض الروائيات جاء عملها الأول مبدعاً، يبعث على الطمأنينة على هذا المنجز، ونموذج ذلك: ليلى الجهني. أمل الفاران. صبا الحرز، بشائر محمد. - ومظهر آخر على النقيض من ذلك هناك روايات أو كتابات صادرة حديثاً خرجت من رحم الشبكة العنكبوتية، لم تبدأ من حيث انتهى الآخرون، بل بدأت من حيث بدأت علاقتها بالكتابة في الشبكة العنكبوتية؛ لذا فلديهم رؤى ومفاهيم عن الكتابة الإبداعية تختلف عما أعرفه ويعرفه غيري من المعتنين بالسرديات حتى أصبحنا نحن لديهم (دقة قديمة) وذلك عندما نبدي تحفظاتنا على طريقة كتاباتهم، والتقنيات التي يتبعونها، والخيارات في الخطاب والفعل. ومثل هذه الروايات لم أتطرق لها في بحثي.