عندما أعلنت دار «شينشوشا» اليابانية التي تطبع أعمال الروائي الياباني المعاصر الأبرز هاروكي موراكامي، عن صدور روايته الجديدة «1كيو84»، والتي يمكن قراءتها باليابانية «1984» – عنوان سابق لرائعة جورج أوريل الصادرة عام 1948م-، باع موقع الأمازون الياباني كل النسخ التي كان يستطيع المتجر الإليكتروني توفيرها قبل صدروها عن طريق الحجز المسبق، لكن وقائع البيع في المكتبات اليابانية في العاصمة اليابانية طوكيو وغيرها من المدن الكبرى مثل أوساكا وناغويا، سجلت رقم مبيعات مهولا ابتدأ من أربعمائة وثمانين ألف نسخة عند وصولها للمكتبات، وبلغ العدد في أقل من أسبوعين مليون نسخة، حيث بدأت دار «شينشوشا» في التجهيز بشكل عاجل للطبعة الثانية، بسبب الطلب الكبير على الرواية الصادرة في جزأين، يبلغ عدد صفحات كل منهما منفرداً حوالي الخمسمائة صفحة، لكن هذا الطول لم يكن مانعاً من شرائها، حيث اصطف المئات لشرائها من المكتبات التي تبيعها في العاصمة طوكيو. هذا على الرغم من أن دار «شينشوشا» أحاطت مضمون الرواية بسرية تامة، ولم تلجأ لأي خطط تسويقية، الأمر المناقض تماماً لما حدث مع رواية موراكامي السابقة «كافكا على الشاطئ» عام 2002م، والتي اجتاحت لغات العالم في حمى مدهشة، تبرر هذا الشره في القراءة لروائي من قامة هاروكي موراكامي، قام على إثرها المركز العربي الثقافي بالتعاون مع دار كلمة، بترجمتها إلى العربية على يد الأستاذة إيمان حرز الله، محققة مبيعات كبيرة للدار، ومروجة للأعمال الأخرى لموراكامي والتي ترجمها المركز العربي الثقافي من قبل، مثل «الغابة النرويجية»، «جنوب الحدود غرب الشمس»، ثم «عشاق سبوتنيك» لاحقاً. موراكامي البالغ من العمر ستين عاماً، أحد أعلام الفنتازيا الحديثة ومرحلة ما بعد الحداثة، يستثمر تراثه الياباني العتيد، محاولاً ملاءمة سياقه مع روح غربية تتلبسه على الدوام في رواياته، كاسباً جمهوراً واسعاً حول العالم، وحاصداً لبعض الغضب من نقاد الرواية في اليابان بسبب هذا النفس في أعماله، لكن بناء رواياته المتماسك والقوي والمتموج بين أزمان متخيلة وخيالية في مكان فيزيائي يتشبث بالواقع، خلق له بصمة تميزه عن غيره من معاصريه سواء في اليابان أو العالم من حوله. روايته «الغابة النرويجية» كانت أولى أعماله التي جلبت له الشهرة وتربعت على قائمة أعلى الكتب مبيعاً في تاريخ النشر والطباعة باليابان، حيث بلغت مبيعاتها حتى اليوم ثمانية وعشرين مليون نسخة، كما أنها في طور الاقتباس لنص فيلم سيصدر عام 2010م، تحت إدارة المخرج التايواني تران أنه هنغ مخرج الفيلم الشهير «رائحة البابايا الخضراء». ثم كانت «كافكا على الشاطئ» الرواية التي ترجمت إلى ثلاثين لغة، وحصد بسببها موراكامي من الجوائز الأدبية ما لم يحققه مع أي رواية له من قبل، وتفاعل معها بشكل غير مسبوق، حيث قامت دار «شينشوشا» بتدشين موقع لعشاق الرواية لطرح تساؤلاتهم ونقاشاتهم حول الرواية، استقبل الموقع منها ما يقارب الثمانية آلاف، أجاب موراكامي عن ألف ومائتي سؤال منها شخصياً، وهو نوع من التواصل النادر بين روائي وجمهوره، كما هو نوع نادر من التواصل بين جمهور ورواية.