كتاب ( الذات الناقدة في النقد العربي القديم ) الذي صدر مؤخرا عن نادي أبها الأدبي الثقافي، من تأليف الدكتور ظافر الكناني، يعد محاولة أخرى لقراءة مسار من مسارات التراث وفق رؤية تستمد أدواتها المنهجية والتنظيرية من أطروحات حديثة، والتي حاول الكناني أن يقدمها دون اعتساف للتراث يلغي خصوصيته، أو تشويه لتلك الأطروحات يخل بها، مما قد يحيد بالباحث عن الهدف الذي ينشده من إصداره هذا. جاء كتاب د.ظافر في (182) صفحة من القطع الكبير، حملت بين ثناياها تمهيدا بدءا بالتعريف اللغوي للذات الناقدة، ومنه على الأوائل الدلالية: الضمائر، العلم، الدعاء، نموذج التواصل، أما فيما يتعلق بالذات الناقدة ومفهوم العمل فقد أورد المؤلف ضمن هذا السياق: التخصص، الدافع، القصد الأهلية، المنهج، الإنجاز، وفي جانب الذات الناقدة أخلاقيا، استعرضها الكناني في عدة محاور: ذات مسؤولة، مفهوم العدل، مفهوم العقل، ذات أصلية، فيما ختم ظافر كتابه بالذات الناقدة ومفهوم الأيديولوجيا. ينطلق ظافر في كتابه من افتراض مؤداه أن التراث العربي لم يكن مقصورا على الذات الفردية فحسب، وإنما كان يبني باستمرار ذوات جمعية مؤسساتية يمكن استكشاف خصائصها واستكناه آليات تكونها من خلال قراءة التراث العربي، ويكتسب هذا الافتراض قيمته العلمية من مجمل ما قدمته النظريات الحديثة، خاصة تلك التي وقفت في الطرق المقابل لديكارت، وهذا ما تناوله المؤلف في إصداره بالشرح والتوضيح والتفصيل. إن العودة إلى قراءة التراث كما ظهر من حلال العودة إلى قراءة الذات الناقدة في النقد العربي القديم، هي العودة إلى لغة الاكتشاف والبحث عن مقدرات ومقومات تراثية لا تزال قابعة في مكنونات التراث العربي، مما يجعل هذا الإصدار وأمثاله من عودة إلى القراءة بأدوات علمية عصرية تسهم في الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تحتاج أن تأخذ نسقا معرفيا يكشف للقارئ اليوم خبايا تلك المقدرات التراثية التي لا تزال بحاجة ماسة إلى المزيد من القراءات المعاصرة من قبل المثقف والباحث العربي، وخاصة في ظل ما طال المجتمع العربي في العصر الحديث من ضعف وتأخر في مناح شتى.