تحدثنا في العيادة السابقة عن الأمور الصحية المتعلقة بالسفر بالطائرة ونواصل الحديث في هذه العيادة عن بعض الأمور الصحية التي تهم المسافر. لأن السفر أصبح في كثير من الأحيان ضرورة حياتية وبسبب كثرة المسافرين سنويا حيث يقدر عدد المسافرين سنويا ب 600 مليون مسافر. وبسبب تطور وسائل النقل وسرعة حركة المسافرين وإمكانية الوصول إلى أماكن بعيدة كان يصعب الوصول إليها في السابق وسهولة سفر المصابين بأمراض مزمنة كل ذلك أدى الى نشوء تخصص جديد يعرف بطب السفر (Travel Medicine). ويشتمل هذا التخصص على عدد من التخصصات التي تزداد الحاجة لها في السفر مثل الأمراض المعدية وطب المناطق الاستوائية وصحة البيئة والطب المهني وغيرها. وقد يتهيأ للقارئ أن المسافر معرض فقط للأمراض المعدية مثل إسهال السفر الذي سنتطرق له أو الأمراض المعدية الأخرى مثل الملاريا والدرن والأمراض التناسلية أو انفلونزا الخنازير وهذا غير صحيح البتة. فالمسافر وبسبب الإجهاد معرض لكل الأمراض التي قد يصاب بها في موطنه إضافة إلى الأمراض المعدية. فقد أظهرت دراسات الوفيات أن وفاة المسافرين نتجت عن عدة أسباب أهمها أمراض القلب (50 - 70%)، الإصابات والحوادث (حوالي 25%) ثم الأمراض المعدية (2.8- 4%). وأظهرت الدراسات أن حوالي نصف المسافرين من دول متقدمة إلى دول نامية يصابون ببعض الأمراض المعدية أهمها إسهال المسافرين. وإسهال المسافرين يصيب 20-25% من المسافرين من دول متقدمة إلى دول نامية ويحدث الإسهال في العادة خلال الأسبوع الأول من السفر ولكنه قد يحدث بعد ذلك كما أنه قد يحدث بعد العودة للوطن. والعلاج يتكون في الأساس من الراحة والإكثار من السوائل والأملاح لتعويض ما يفقده الجسم وتزول الأعراض في العادة خلال 3 أيام ولكن في بعض الحالات قد تكون الأعراض أشد وقد يحتاج المريض إلى تناول مضاد حيوي أو إلى الحصول على مغذ في الدم لمقاومة الجفاف الناتج عن الإسهال وبالذات عند الأطفال وكبار السن. وينتج إسهال المسافرين عن تناول طعام أو شراب ملوث لذلك لابد على المسافر من أخذ الحيطة الكاملة والتأكد من نظافة كل ما يتناوله وأن يشرب من المياه المعلبة فقط علما بأنه وللأسف يتم في بعض الأماكن تعبئة الماء من الصنبور (البزبوز) وإعادة قفل القارورة وبيعها. وتسبب إسهال المسافرين عدة أنواع من البكتيريا التي قد تكون الإصابة بها في بعض الحالات شديدة لذلك وجب أخذ الحيطة وبالذات للأطفال الصغار. كما أن التهاب الكبد الوبائي من نوع «أ» ينتقل عن طريق الأطعمة الملوثة. وهناك مناطق في العالم وبالذات في أفريقيا يكون المسافر إليها معرضاً للإصابة بالملاريا أو الحمى الصفراء وكلاهما مرضان معديان ينتقلان عن طريق الناموس. وطب السفر ينقسم إلى عدة أقسام: الطب الوقائي: وهو ما يتعلق بالحصول على التطعيمات اللازمة قبل السفر والنصائح المهمة. الطب المساعد: وهو ما يتعلق بعلاج المرضى الذين سيسافرون. وطب المناطق البرية: ويهتم بمتسلقي الجبال أو الذين سيذهبون إلى مناطق أو غابات نائية. وأخيرا التأمين الطبي وهو مهم جدا حيث انه يؤمن للمسافر العلاج في مستشفيات البلد الذي ينوي السفر إليه حيث انه في بعض الدول لا تقبل المستشفيات علاج المرضى غير المؤمّن عليهم. وللأسف يتجاهل الكثير منا موضوع التأمين الصحي قبل السفر رغم أهميته لذلك أردت التذكير هنا بأهمية التأمين الصحي لكل المسافرين قبل السفر أو على الأقل أن يقوم من ينوي السفر بالاتصال بسفارة الدولة التي ينوي السفر إليها ويسأل عن ضرورة التأمين الصحي في تلك البلاد. وتبدأ خدمة طب السفر بزيارة الطبيب قبل السفر للحصول على النصائح المهمة والتطعيمات اللازمة وطريقة تناول الأدوية بالنسبة للمرضى خلال سفرهم. وكذلك وضع خطة واضحة للمرضى وشرح ما يجب عليهم فعله في حال زيادة أعراض المرض خلال السفر فمثلا ماذا يجب على مريض الربو عمله في حال زادت أعراض المرض خلال السفر وغير ذلك من الأمراض. وتستمر عناية هذا التخصص بالمسافر بعد عودته من السفر فيما يسمى بمتابعة وعناية ما بعد السفر. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية ومركز التحكم في الأمراض في الولاياتالمتحدة توصيات مميزة للمسافرين ويمكن القارئ الحصول عليها من موقع المنظمتين على الإنترنت. ولكن بصفة عامة ننصح المسافر وبالذات المصاب بأمراض مزمنة بزيارة طبيبه قبل السفر بشهرين إلى ثلاثة وتحديد المنطقة التي ينوي السفر إليها ومناقشة كل ما يحتاجه المسافر من تطعيمات أو أدوية وجميع النصائح الوقائية ومعرفة الأمراض المعدية المنتشرة في المنطقة المزمع السفر إليها وطرق الوقاية منها. كما يجب على المسافر أخذ الحيطة في كل ترتيبات السفر لتجنب الإصابة بالحوادث وأخذ حقيبة للإسعافات الأولية. أما بالنسبة للمرضى فعليهم أخذ كميات كافية من أدويتهم حيث انها قد لا تتوفر في جهة السفر أو أنه قد يصعب الحصول عليها كما أن عليهم الانتظام في تناول أدويتهم حسب إرشادات الطبيب وألا يلهيهم السفر عن المحافظة على صحتهم. وللمصابين بأمراض مزمنة، من المفيد جدا أخذ تقرير طبي حديث معهم أثناء السفر. وأخيرا ولكن ليس آخرا على المسافر الاستخارة قبل السفر والتقيد بالهدي النبوي الكريم في كل أفعاله خلال سفره. جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً، فزوّدني؟ فقال: (زوّدك الله التقوى) قال: زدني! قال: وغفر لك ذنبك. قال: زدني! قال: (ويسّر لك الخير حيثما كنت). (البيهقي).