يموت الشجر ويطير منه الحمام أسرابا وتتهاوى غصون الصبر واحداً وراء الثاني. (الناقد شاعر فاشل) .. قد تكون هذه العبارة هي أبرز العبارات التي استخدمها الشعراء كسلاح لمجابهة النقاد قديماً وحديثاً، ورغم أنها تصح في كثير من الأحيان، إذ كثيراً ما يأتي شعر النقاد بارداً لا يحمل سحرا وجمال الإبداع الشعري ولا حرارته، إلا أنها لا تصدق في حالة الشاعر المبدع سالم الرويس، الذي استطاع أن يوفِق بشكل رائع بين إبداع النقد وإبداع الشعر، وسأتجاوز عن الحديث حول تجربته النقدية هنا لأشير مجرد إشارة إلى بعض إبداعاته الشعرية التي تُعطي دلالة واضحة على حجم وروعة الموهبة الشعرية التي يمتلكها. من أجمل قصائد الرويس -في نظري- تلك القصائد التي تُلح عليه فيها فكرة (الانتظار)، انتظار أمر (غائب) تخبئه الأيام، أو تبخل به على الشاعر، يقول في قصيدة (الحاجة): يا صاحبي من كثر ما دمعي آخشه محدٍ درى عن جروحٍ تسكن اعماقي ما نيب هاك الغريق معلق بقشه أنا ثلوم الليالي جبّرت ساقي والله ما آجامل الغشاش في غشه ورزقي على اللي معه مفتاح الارزاقي ويا صاحبي للوداع قلوبنا هشه ما عاد تقوى اللقا اللي عقبه فراقي الجرح يدمع ولا لي في الزمن هشه واردع همومٍ على الخفاق تنساقي لوّي فقير العباد ومسكني عشه ما غيّر الوقت لا طبعي ولا اخلاقي لي حاجة في تقى الايام منخشه لا جابها لي زماني ياخذ الباقي ويرمز الرويس لذلك الأمر أو الحلم المُنتظر -في الأبيات التالية- بالسحاب الذي تتلهف عليه قلوب البشر والمخلوقات، وتحيا به آمالهم، لكنه يُخالف المتوقع ويتلاشى مُخلفاً الكثير من الحسرة والحزن: مرّ السحاب وكل عينٍ تراعيه رعده يصيح وبارقه ما استراحي فزّت على شوفه عطاشا صحاريه وصم الصفا اللي من عنا الوقت طاحي كلٍ بدت تحيا بشوفه أمانيه والليل يستبشر قدوم الصباحي حتى معاويد السواني تناجيه شامت لبرّاقه رقاب الطياحي أرخى هماليله وزاد الرجا فيه وكلٍ تعشّم فالشراب القراحي وقدام لا يمطر ويسقي ظواميه هب الهبوب وفرّقته الرياحي وكلٍ رجع في همّه اللي يعانيه وكسر الجناح ولا بقى لو جناحي فكما نرى فقد أجاد الشاعر في تصوير مشاعر الابتهاج والرجاء وما تلاها من صدمة وخيبة أمل بلغة غنائية رائعة ومؤثرة، وكذلك نجده يتحدث في رائعته (أجمل أحلامي) عن تلاشي أو موت حلمه (الأبيض): تنام العيون اللي عليها الفضا ما ضاق وأنا وش سواتي كان في الفضا ضاقي أخيل السحاب اللي تخافق به البراق رجا قفرٍ امحل في رجا الماطر الساقي أخيله وأنا ما غير غصن وثرى وأوراق وأخاف السنين المقبله تيبس أوراقي عذابي وجرحي من فراقٍ تلاه فراق جروحٍ تجدد داخلي مالها راقي يداعب خيالي حلمٍ أبيض عليّه واق سكن داخلي واليوم ما عاد له باقي تقافت به سنين الشقا وارهقته ارهاق ونسيته لو إنه ساكنٍ بأعمق أعماقي إضافة إلى هذه المقاطع القصيرة فهناك العديد من القصائد الرائعة للمبدع سالم الرويس -ك (غصون الصبر) و(سكة جروحي) وغيرها- التي ينجح من خلالها بتفوق في نقل مشاعره وانفعالاته إلينا بصورة دقيقة وبديعة.