غني عن القول: أن مهمة الرجل والمرأة في الحياة تنحو باستمرار إلى التكامل، عبر تحديد الأدوار والاستجابة لتحديات وشروط الحياة الحديثة في العديد من مجالاتها. بيد أن سجالات التأويل حول دور المرأة، وما يتصل به في المفاهيم الإسلامية، تعكس الكثير من الآراء بحسب الرؤى التي تنتجها العديد من مدارس الفكر الإسلامي. وهي سجالات لم تحسم بعد، وربما لن تحسم في المستقبل القريب لجهة الكثير من ردود الأفعال التي تنجم عنها. وبالرغم من أن المبادئ الكلية للإسلام تكشف عن الدور الإيجابي للمرأة بوصفها شقيقة الرجل، بحسب الحديث النبوي الشهير (النساء شقائق الرجال) إلا أن التاريخ الإسلامي حفظ لنا الكثير من تلك الصورة المشرقة حيال دور المرأة في الحياة. هذه المقدمة ربما كانت مدخلاً إلى عنوان هذا الموضوع المتصل بعلاقة حيثية المرأة في مجلس الشورى السعودي، وما يرتبط بالكثير من الأسئلة حول مظاهر تلك الحيثية وفاعليتها، وطبيعتها؛ انطلاقاً من الدور الكبير الذي تلعبه المرأة السعودية، والحراك الذي شهدته حياتها في الكثير من مجالات التطور والتحديث كمجال التعليم، والعمل، والمؤسسات الاجتماعية والنشاطات الأخرى المرتبطة بالطفولة والأسرة والحقوق الشرعية وغيرها. ولقد أصبح هذا الحراك الكبير للمرأة السعودية حقيقة واقعة تحتاج في موازاة ذلك إلى المزيد من التشريعات الضامنة لحقوق المرأة، وأساليب معالجة تلك الحقوق وما يتصل بها من سجال في مجال الإعلام والصحافة. ثمة الكثير من الآراء والطروحات التي تتبناها بعض النخب الثقافية والاجتماعية المختلفة، لتسجيل مواقف وآراء في هذا الصدد قد لا يتفق عليها كل المجتمع ولكنها تظل آراء قابلة للنقاش وتدوير زوايا النظر حيال ما تطرحه من مبادرات وتصورات المفكرين والمثقفين وصناع الرأي. فما تكتبه الكاتبات والأكاديميات السعوديات عن واقع المرأة السعودية. وإمكاناتها القابلة للتأسيس الفاعل في مختلف مجالات الحياة؛ هو أمر جدير بالتأمل لا سيما من طرف مجلس الشورى بحسبانه العقل الاجتماعي الناظم والجهاز الذي يتداول الخطط والطروحات في الكثير من قضايا المجتمع، عبر الرأي والتوجهات التي تحكم طريقة اشتغاله وما يتوازى منها مع سياسات الدولة العامة. إن قضية وضع المرأة ضمن فعاليات مجلس الشورى كجزء من كيانه الاستشاري، رغم ما تحظى به من تقدير واهتمام، قد تحتاج إلى المزيد من المبادرات والتصورات من قبل المجلس، لا سيما في دورته الخامسة، وما شهدته من تغييرات وزيادة في عضويته. وفي ظل التحولات الجبارة التي تشهدها المملكة في مجالات التعليم والنهضة والابتعاث العلمي وسوق العمل، وما يترافق مع ذلك من وجوب إعادة النظر الدائمة لمواكبة هذه التطورات التي تتسارع وتيرتها عبر الدعم الكبير من توجهات خادم الحرمين الشريفين؛ كل ذلك يحتاج إلى ملفات واستحقاقات تنتظر واقع المرأة في خطط ومداولات النقاش التي تجري بخصوص قضايا المرأة في أروقة مجلس الشورى ولجانه المتعددة. ولعل في قرارات مجلس الشورى حول قضية (قيادة المرأة للسيارة) ما كشف لنا عن طبيعة المشكلات التي تطرأ من ضغط الواقع وتحدياته وتحتاج إلى تصورات تضمن تفهماً عميقاً حيال ذلك الواقع وتشرع له في ضوء معالجات لا تغلي مشروعية المشاكل وقابليتها للنقاش، كما لا تدير لها الظهر في نفس الوقت. إن هناك معضلات حقيقية تواجه واقع المرأة السعودية تتطلب ضمانات وحلولاً ومعالجات ينبغي أن لا تغفل مفهوم النسبة والتناسب بين حجم القضايا المطروحة، وبين واقعها المؤثر. فالكثير من التحديات المتصلة بواقع المرأة في التعليم والعمل، والحقوق الشرعية في مجالات الطفولة والأمومة والأسرة وما يتصل بها من حراك يتطلع إلى سن تشريعات مواكبة لتلك التحديات؛ كل ذلك يحيل ليس على ضرورة ضمان تصورات حلول جديدة مستقبلاً فحسب؛ بل وإلى النظر في توسيع دائرة المرأة في كيان المجلس بصورة تتناسب مع هذا الحراك الكبير الذي يشهده واقع المرأة السعودية في مختلف مجالات الحياة، مستقبلاً. صحيح أن هناك تفاعلات وردود أفعال تتواتر عبر أجهزة الإعلام والصحافة والفضائيات؛ كلها تتحدث عن ضرورة إشراك المرأة في صناعة القرار حيال المجالات التي تقع في دائرة اهتمامها المباشر. وهو سجال في حد ذاته مؤشر على مساحة الحرية في النقاش الذي يتداول قضايا المرأة؛ إلا أننا لا نعدو الواقع إذا قلنا أن الكثير من الاستحقاقات التي تبنتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقادت فيها مبادرات وطنية من أجل حقوق المرأة كانت جهوداً متقدمة ومقدامة، ضمنت من خلالها مجالات وإمكانات كثيرة لبروز نشاط عمل المرأة في المجال العام، ليس آخرها وصول المرأة السعودية إلى منصب وكالة الوزارة عن جدارة واستحقاق؛ جزاءً على جهدها وإثبات وجودها في مجال العمل الحكومي. إن أهم درس يجب أن يستفاد من جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومبادراته الوطنية الرائدة: هو أن هذا الحراك نحو النهضة والتقدم والازدهار لهذا الوطن أصبح خياراً وحيداً لا رجوع عنه لكل من أراد تحقيق النجاح من بنات وأبناء هذا الوطن.