على نحو غير مألوف تعيش المدن العراقية منذ أيام تحت وطأة العواصف الترابية التي غيرت ملامح المدن والشوارع والأشجار وأوقفت الرحلات الجوية وأحدثت زحامات على المستشفيات إضافة إلى أعباء كبيرة على الأسر العراقية لإجراء عمليات تنظيف المنازل حيث تخترق هذه العواصف جميع المنازل دون استئذان رغم التحوطات المتخذة. وبحسب توقعات هيئة الأرصاد الجوية العراقية فإن العواصف الترابية ستبقى متواصلة في أرجاء العراق خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة في ظل ارتفاع في درجات الحرارة تصل إلى 43 درجة مئوية في مناطق متعددة. ولم يسبق أن تعرضت المدن العراقية إلى موجات متتالية من العواصف الترابية بشكل متواصل مثل هذه منذ عشرات السنين لكن يبدو أن حالة الجفاف التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عامين وانخفاض معدلات سقوط الأمطار فضلا عن غياب المناطق الخضراء في محيط المدن تشكل سببا رئيسيا لهذه الظاهرة. ودعت الهيئة العامة لمكافحة التصحر في وزارة الزراعة العراقية مجالس المحافظات إلى حث المواطنين على الحفاظ على النباتات الطبيعية والرعوية في المناطق الصحراوية والامتناع عن قلعها من جذورها لانه يتسبب بتدهور الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية مما يزيد من حدوث العواصف الترابية جراء التعرية الهوائية واعتماد خطط للسنوات العشر المقبلة لإعادة المناطق الصحراوية إلى وضعها الطبيعي من خلال إقامة الأحزمة الخضراء حول المدن وإنشاء الواحات في المناطق الصحراوية إضافة إلى أن اتساع هذه الحالة يعود إلى حركة الآليات العسكرية الثقيلة في المناطق الصحراوية. وقال فاضل الفراجي المدير العام لدائرة مكافحة التصحر في وزارة الزراعة إن العواصف الترابية "ستستمر طيلة فصل الصيف بسبب قيام البدو في الصحراء بإزالة النباتات الطبيعية من الأراضي وزراعتها بمحاصيل الحبوب بشكل عشوائي وغير مدروس". وتشهد بغداد منذ أسبوع وبشكل متواصل استمرار العواصف الترابية بشكل غير مسبوق في ظل انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي وارتفاع في دراجات الحرارة مما يجعل العراقيين في وضع لا يحسدون عليه داخل المنازل فيما هرع المئات من المصابين بالأمراض الصدرية والربو وأمراض الجهاز التنفسي إلى المستشفيات لتلقي العلاج فيما سجلت أكثر من ثلاث حالات وفاة وأكثر من 200 حالة اختناق في المستشفيات في حين اضطرت السلطات العراقية إلى إيقاف الرحلات الجوية الخارجية. ويشاهد آلاف من العراقيين في الشوارع وهم يضعون جهاز واقٍ طبي على الانف والفم لمنع استنشاق الغبار، يبيعه أشخاص منتشرون في الشوارع بسعر (250) دينارا للقطعة الواحدة، وهناك أحجام واشكال مختلفة، كما أنه يلاقي رواجا بين المواطنين من كافة الطبقات. شرطي عراقي يؤدي عمله مرتدياً قناعاً يحميه من الغبار (الأوروبية) وقال وزير الكهرباء العراقي كريم وحيد إن العواصف الترابية " أثرت على إنتاج الطاقة الكهربائية لأن الغبار يؤثر على عمل المرشحات في المحطات الكهربائية الغازية التي فيها مرشحات كبيرة جدا تأخذ الهواء من الجو وإذا أغلقت بالغبار تتطلب إما التغيير أو التنظيف ". وقالت فائزة صبري (43 عاما) موظفة حكومية "استمرار العواصف الترابية منذ اكثر من أسبوع في بغداد انعكس سلبا على الحياة فيها، على الانتظام في الدوام فضلا عن مواصلة إزالة الأتربة التي تغطي الأثاث وغرف النوم إضافة إلى أنه لا يمكن تشغيل المبردات الكهربائية لانها تنقل التراب من خارج البيت إلى داخله". ومع أن أن فرق أمانة بغداد (هيئة النظافة) تعمل على غسل الأشجار في الشوارع والساحات العامة إلا أن استمرار هبوب العواصف الترابية يقف عائقا أمام استمرار عمليات التنظيف، ما يجعل شوارع بغداد وساحاتها وتماثيلها وأبنيتها الحكومية مغطاة بالأتربة ما يفقد جمالية هذه المدينة التي فقدت الكثير من بريقها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق منذ عام 2003 وتدمير أعداد كبيرة من الأبنية الحكومية فيما تسببت موجات العنف المتواصلة في إيقاف حركة الإعمار والبناء فيها.