ما كاد الفتى الذهبي وأحد الأظهرة المميزين الذين لعبوا في الملاعب السعودية، حسين عبدالغني، يحزم حقائبه عائداً إلى أرض الوطن، بعد مشوار احترافي ناجح مع نادي نيوشاتل السويسري، حتى ثارت مشكلات رياضية، جماهيرية وإعلامية بين الأهلي ناديه الأصلي الذي نشأ وترعرع وتعلم فنون الكرة فيه، والنصر الذي خطب وده ورغب فيه لينضم إلى مجموعة من اللاعبين الذين ترغب إدارة الأمير فيصل بن تركي ضمهم إلى فريق النصر؛ لتدعم صفوفه ليعود إلى البطولات والمستويات الجيدة إرضاء للجمهور النصراوي. عاد اللاعب إلى المملكة برغبة نصراوية لا غير ليلعب ما تبقى له من سنوات في الملاعب بعد أن وقع عقداً مع الرئيس الأمير فيصل بن تركي في منزل مدته ثلاث سنوات، وهو الذي وصل عمره إلى نحو 35 سنة، أي حتى موعد اعتزاله، وسط طموح فني وإعلامي يريد أن يجذبهما إلى نفسه، لم يدر في خلده قبل قدومه أن الصراع سيصل إلى أشده، وينتهي به المطاف إلى التوقف عن تكملة مشوار مفاوضاته مع النصر مؤقتا، وإرجاء البت في أمر احترافه حتى تهدأ الأمور، المناوشات بين الطرفين، أو بعبارة أصح بين جمهوري النصر والأهلي! شعبية تتجدد في هذه الفترة فقط اكتشف حسين أن له شعبية أكبر مما توقع، والشعبية عادة يكشفها الصراع بين طرفين أو عدة أطراف، لقد وجد نفسه مطلوباً بشدة النصر يطلبه فنياً، والأهلي شعبوياً من قبل جماهير الفريق التي تحمل له وداً وذكريات طيبة بعد أن ألفته خلال سنوات عمره التي قضاها لاعباً للفريق، وقائداً مميزاً حقق مع زملائه العديد من البطولات، فهي لا ترضى أن تراه لاعباً في نادٍ محلي غير الأهلي، بعد أن رضيت أن تراه لاعباً خارج الحدود. بدأ الصراع كلامياً بين الناديين فور مخاطبة النصر للاعب قبل نحو شهرين، وبدأ عملياً في مطار الملك خالد الدولي في الرياض عندما هبط اللاعب فاستقبله الناديان كلاهما كل يريده له، لكن إدارة النصر كان لها موقف الحسم حينما أخرجته من الباب الخلفي، لتتجه به إلى منزلٍ نصراويٍ خالص لكي يخلو لها الجو ومن ثم يوقع دون منغصات، لكن الأمر لم يسر على ما يحبون، فالصوت الأهلاوي اخترق الحاجز النصراوي صوتاً، والطرف الثاني - اللاعب - كان سريع التأثر فاستجاب فوراً، وقدم رسالة اعتذار للنصراويين جاء نصها: (نادي النصر نادٍ كبير وأي لاعب يتشرف أن يلعب فيه ويرتدي شعاره، لكن الذي شاهدته من الجماهير خلال الأيام الماضية يجبر أي شخص على عدم التفريط بحب هذه الجماهير، أو خذلانهم، وأنا وضعت ظروفي في كفة وجماهير الأهلي في كفة، ولكن عشقي لهذه الجماهير جعل كفتهم هي التي تكسب في النهاية، وسأضحي بالملايين من أجلهم فيكفيني تقديرهم واحترامهم لي، لذلك ما زلت على وعدي معكم يا جماهير خط النار ابن الأهلي حسين عبدالغني، ما زال على وعده معكم، لن ألعب لغير الأهلي في السعودية وسأعتذر عن العرض النصراوي الذي أقدم لهم كل الشكر والتقدير. وبالنهاية أحب أقول لجماهير خط النار قفوا مع ناديكم وقفوا مع الكيان الأهلاوي الأهلي بحاجتكم)، لكنه في النهاية لم يضح بالملايين، فرضخ للملايين لا للشعبية، ربما بعد أن وجد نفسه غير مرغوب فيه في الأهلي كما حدث قبل رحيله! أغنى لاعب عربي رضخ أغنى لاعب عربي أحد الأثرياء بين اللاعبين على مستوى العالم (87 مليون ريال) لمطالب جمهور الأهلي الذي حاصره في كل موقع يذهب إليه وفي منزله خاصة فاستجاب للنداءات المتكررة التي طلبت منه أن يعود إلى منزله الأم مؤقتا، فكف قلمه من التوقيع على العقد بينه وبين النصر في آخر لحظة، وضحى بالملايين على أمل أن يقدر الأهلاويون موقفه ولا يطلبونه مجاناً، فمهما بلغت ثروة اللاعب إلا أنه سيظل يبحث عن المادة بلا تنازل، ومن نص الرسالة يتضح أن الرغبة فيه جماهيرية بحتة، لكن نتيجة التفكير غير الطويلة وجهته إلى التوقيع للنصر نهاية! عودته إلى الواجهة لم يجد حسين عبدالغني حينما أبدى رغبته في خوض تجربة احترافية خارج الوطن بعد تلقيه عرضاً من النادي السويسري مثل هذا الاهتمام، رحل من الأهلي بصمت بعد رغبة إدارية برحيله ولم يثر احتجاجات معلنة من قبل جمهور الأهلي كما هو الحال الآن، كان خروجه من الأهلي نتيجة تلميحات بعدم الرغبة في بقائه لاعباً رغم أن المسؤولين الأهلاويين أكدوا أنهم ظلوا راغبين ببقائه، ورحيله جاء بناء على رغبة شخصية منه كما هو نص البيان الذي أصدرته إدارة الأهلي تعليقاً على الأحداث الذي أكدت فيه أنها كانت ترغب في بقاء اللاعب، لكنه هو الذي رغب بالرحيل بعد عرض النادي السويسري، ويتضح من نص البيان أن إدارة الأهلي ظلت تحقق رغباتها المستمرة في التجديد لأعضاء الفريق كما هو الحال للذين انتقلوا منه وأبدعوا من جديد في أندية أخرى، وهي رغبة نبعت من مدرب الفريق نيبوشا الذي وضعه ضمن اللاعبين المنسقين ووجدت هذه الرغبة احتجاجات جماهيرية عريضة، وكان اللاعب انقطع عن تدريبات فريقه ومبارياته في آخر موسم له عقب خسارة الأهلي من الصفاقسي التونسي في البطولة العربية ومن الاتفاق بثلاثة أهداف في جدة منعته من دخول المربع الذهبي، لقد كان الرحيل خيار من خيارين: إما تغيير النادي والاستمرار أكثر من سنة لاحقة، وإما الاعتزال، وبعد أن فكر ملياً اختار الثانية، ولم يجدد نفسه فحسب، بل صار قائدا للفريق السويسري، ثم طلبه العام المنصرم غلطة سراي النادي التركي الشهير ليلعب له مقابل مليون وست مئة ألف دولار، إلا أن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة، وطلبه بعد ذلك نادي سند لارند الانجلينزي، وفي التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم أعيد إلى المنتخب ليلعب من جديد، فشارك وأبدع. موقعه خارج السيطرة! الصراع المحتدم بين جمهوري الأهلي والنصر ولد مقطوعات مقالية نشرتها كثير من المنتديات، وازدحم بها موقع اللاعب، والعبارات غير المهذبة أدت إلى حتمية إغلاق الموقع من قبل المشرفين وهو إجراء جميل وأخلاقي، ويظهر أن الكتابات باتت خارج نطاق السيطرة، وكما تم التصريح به فإن أكثر من عشرين ألف مشترك غص بهم الموقع ناقشوا هذه القضية! بداياته وإنجازاته منذ أن التحق عبدالغني بمدرسة البراعم في الأهلي التي كان يشرف عليها المدرب الوطني أمين دابو وجد فيه إمكانات عالية تؤهله ليكون أحد المواهب البارزة في الكرة السعودية، وأجاد اللعب في أكثر من مركز، ففي درجة الناشئين والشباب ظل يلعب في مركز صناعة اللعب على الناحية اليسرى ونجح كثيراً في ذلك حيث صنع وسجل العديد من الأهداف، وقد اختاره المدرب الوطني محمد الخراشي ضمن منتخب الشباب الذي شارك في البطولة الدولية التي كانت تنظمها سلطنة عمان وأشركه الخراشي في مركز الظهير الأيسر ووجد أن هذا المركز يناسبه، فظل فيه، وقد تم اختيار حسين عبدالغني أفضل لاعب عربي بعد أن ساهم مع زملائه في تحقيق المنتخب الأول البطولة العربية التي أقيمت في قطر، وساهم كذلك في تحقيق كأس آسيا التي أقيمت في الإمارات، ومع ناديه الأهلي خارجياً البطولة العربية، كما شارك مع منتخب نجوم العالم أمام منتخب فرنسا، وبما أنه لاعب ذو نزعة هجومية فإنه سجل العديد من الأهداف للأهلي وللمنتخب، ومنها هدف المنتخب الذهبي في مرمى منتخب العراق الذي أهل الأخضر الأولمبي إلى أولمبياد اتلانتا. مشكلاته سجلّ عبدالغني مملوء بالمشكلات داخل الملاعب ومن أمثلتها القضية التي حدثت بينه وبين لاعب الاتحاد مرزوق العتيبي إثر اعتداء الأخير عليه في بطولة الأندية العربية، ووصول القضية إلى المحاكم الشرعية، ثم تنازل عنها بعد أربع سنوات، كما أنه طرد بالبطاقات الحمراء كثيرا، وبالذات أمام الاتحاد التي عادة ما يثير فيها مشكلات مع لاعبي النادي المنافس، تتسبب في احتقان المباراة، ورغم هذا ظل محبوباً من قبل جمهور ناديه، وله علاقات واسعة مع الرياضيين. في سويسرا جدد نفسه احتراف حسين عبدالغني في نادي نيوشنايل السويسري جعله يتطور تطورا ملحوظاً في شخصيته الاحترافية، شاهدناه مع المنتخب دقيقاً في مواعيده وقدراته، فاحتكاكه بآخرين عرفوا قيمة الوقت جعله يتطبع بطبعهم.. تجربته الاحترافية في النادي السويسري وهي أنجح تجربة احترافية خارجية للاعب سعودي حتى الآن هي التي أعادت صياغته رغم أنه تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره فمهدت في تعريف أندية أخرى به كغلطة سراي التركي أحد أفضل الأندية في أوروبا حيث فاوضه ليلعب له واحترافه الخارجي هو الذي جعله يعود إلى المنتخب بقوة أكبر وشاهدناه عندما أشركه بيسيرو أمام الإمارات فتحرك بفاعلية في أرجاء الملعب وساهم مع زملائه في تحقيق انتصار غالٍ. لا للأهلي.. نعم للنصر!! كان حسين سيرضخ لمطالب جمهور الأهلي ويضطر للعب مع الفريق، لكن إدارة النادي لم ترضخ للمطالب الجماهيرية العريضة فتعيده مجددا لتكسر قاعدة التجديد التي اعتدنا رؤيتها في الأهلي، واللاعب يفترض أنه استجاب لمشاعر الحب الجماهيرية الغامرة التي قوبل بها، فهو لاعب تهمه شعبيته في المقام الأول ويفترض أن لا يفقدها، أو يفقد جزءاً منها حينما يشارك فريق سعودي يلعب معه أمام ناديه الأصلي، لكن المادة جاءت في المركز الأول ضمن اهتماماته رغم أنه لاعب ثري، وله مدخول سنوي من استثماراته التجارية المعروفة تزيد بكثير عن ما سيحصل عليه من مرتب الاحتراف، أو مقدم العقد، وعموما عودته إلى الملاعب السعودية من جديد عبر النصر ستضيف إليها خبرة.