إذا ما تساءلنا عن مفهوم الحداثة وجدنا النسق الكلامي يختلف من إنسان لآخر تبعاً لموقعه الفكري واهتماماته ؛ فالاقتصادي يراها من زاوية تبئيرية مختلفة عن السياسي، وكلاهما يفهمانها بطريقة مختلفة عن المبدع مثلاً.. ومهما يكن، فإن الحداثة إما أن تكون شمولية أو لا تكون.. وهذا يعني أن لحظتنا المعاشة لتتشكل كحداثة ولكي تستمر في الحداثة فعليها أن تتفتح في كل البنى الحياتية المتحركة بين الذات والمجتمع. وهذه الحركة ولكي تكون حداثة أيضاً لا بد لها من ركائز أساسية تعلو معها وبها.. وأعني: القيم.. تلك التي اصبحت، ولندرتها، رقيماً طينياً تائهاً في أعماق وجودنا.. وقبل أن نسأل عن الحداثة، لنا أن نسأل: أين الصدق؟ وأركز على «الصدق» لأنه المفتاح السحري لبقية القيم كالكرامة والشرف والحرية والهوية والوجود وكيفية هذا الوجود بثلاثيته الزمانية: الماضي، الحاضر، المستقبل.. وهذا بالتالي سيقود إلى الجمال والعدل والمحبة. فعلى الصعيد النفسي نجد: من كان صادقاً دام واثقاً.. ولذلك تراه متمتعاً بحرية داخلية وخارجية، تراه حرَّ الروح والنفس والجسد والفكر والرأي.. ومن كان حراً ضمن هذه الشبكة من العلائق المؤدية إلى الروح المطلقة أدرك أن الحداثة مضاد للثابت السلبي ومضاد للزمن الفاني لأنها تدخل في «الثابت المتحرك» أو ما هو ضد زماني = الأبدية. إذن، أليست حداثة الروح المشعة بأصالة القيم هي الحداثة الثابتة المتشكلة في الحداثة المتحركة فعلاً إبداعياً في كافة مجالات الحياة تبدأ من الذات وتتسع لتشمل الآخر والنص والعلوم والتكنولجيا والنفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة؟ إن الحداثة الشكلية التي فاضت في العالم الآخر جعلته دموياً، مأزوماً نفسياً، مادياً، يمر بأزمات من الحروب في أماكن عديدة، وأزمات من الاقتصاد أقربها الأزمة المالية العالمية الأخيرة ، بينما الحداثة الجوهرية التي يتمتع بها عالمنا العربي والإسلامي من روح وقيمة تضاءلت وأصبحت على شفا زوال.. لذلك، اختلطت المفاهيم وتاهت السفينة ولم ينتبه بعدُ الربابنة إلى دخولهم في الموجة الأخيرة من الغرق! هناك، قريباً من اللحظة الشفافة، يتساءل اللامرئيون عن المبدع والمثقف والفقيه، لعل اللغة تشير إلى أبجديتها الغائبة، فتلمع الحداثة بمكنوناتها وحضوراتها وتنقذ الإنسانية من أوهام الحداثة وزيف الحداثيين.