كما نعشق نحن الضبان - ونطاردها في السهول والوديان - تعشق شعوب كثيرة «الخنافس» وتتخذ منها رياضة وطنية وطبخة محلية.. وقبل سبع سنوات ذهبت في رحلة استكشافية إلى مرتفعات كاميرون في وسط ماليزيا حين توقف السائق فجأة ونزل لمطاردة خنفساء ضخمة أحضرها للسيارة.. كان شكلها مرعباً - لدرجة كدت أنزل من الباب الآخر - ولكنه سرعان ما وضعها في كيس سميك كان قد أعده لهذا الغرض.. وحين اطمأننت إلى وضع الخنفساء سألته ببلاهة: هل تأكلون الخنافس هنا؟ ضحك وقال: لا؛ نحن فقط نبيعها على اليابانيين.. وهكذا بدأ يخبرني عن تعلق اليابانيين بالخنافس وكيف أنهم يدفعون حتى 2000 دولار للأنواع الضخمة منها. ومبلغ كهذا جعل من اصطيادها تجارة رائجة تضمن لسكان المنطقة دخلاً يوازي عمل 3 أشهر في مزارع الشاي... ورغم أن الخنافس حيوانات مسالمة ونافعة للبيئة، إلا أن شكلها المرعب جعلها نذير شؤم لدى بعض الأمم والشعوب. في جزيرة العرب مثلاً كانت أشهر أنواعها (المسماة الرقطاء) تعد نذير سوء وشر.. وفي التراث الأوروبي تلعب الخنفساء دائماً دور الشرير الذي يحارب الأبطال ويساعد الساحرات في أعمالهن الشريرة.. أما في اليابان فالأمر استثناء حيث تقام البطولات وتهجن الأنواع ويشارك الأبطال في «مزايين الخنافس».. ويخيل إلي أن هوس اليابانيين في العصر الحديث لا يوازيه غير تقديس الفراعنة للخنافس في العصر القديم (خصوصاً النوع المضيء المعروف باسم أبوجعل الذي اعتبر جزءا من دورة الحياة الأبدية وجسداً يتضمن أرواح الأسلاف).. ورغم أن اليابانيين لا يأكلون الخنافس - مثل التايلنديين - إلا أنهم مولعون برياضة غريبة تدعى «مصارعة الخنافس».. وهي مثل صراع الديكة في الفلبين، والخرفان في تركيا، والثيران في المكسيك؛ تعتمد على إطلاق خصمين شرسين ضد بعضهما البعض - والفائز من يخرج الطرف الآخر من دائرة النزال.. ومن المعروف أن الخنافس تملك قوة تشبث كبيرة بالأرض (لدرجة خضعت للدراسة في مصانع مرسيدس لزيادة تشبث السيارة بالطريق).. وعندما يبدأ النزال يندفع اثنان منهما تجاه بعضهما البعض فوق حلبة عبارة عن جذع شجرة أفقي.. وفي المنافسات الوطنية يتجمهر عشاق هذه الرياضة في الملاعب الرياضية حيث يرون مصارعة الخنافس عبر شاشات تلفزيونية ضخمة.. ورغم أن جولات المصارعة تنتهي غالباً بافتراس أحد المتصارعين إلا أن المشكلة لا تثير قلق أحد كون الخنافس من أكثر المخلوقات عدداً وبعداً عن الانقراض.. فهناك أكثر من 300 ألف نوع فقط. كما تعد من أنجح الكائنات على سطح الأرض كونها تتلاءم مع كافة البيئات والظروف القاسية؛ فهي مثلاً قادرة على امتصاص الرطوبة من الهواء (وشربها) في الصحارى الجافة، كما يمكنها العيش طويلاً تحت الماء بفضل قدرتها على تخزين الهواء (الضروري للتنفس) في فقاعات تلتصق بجسدها.. أضف لهذا قدرتها المدهشة على أكل كل شيء من الأعشاب والفاكهة وورق الشجر إلى الأخشاب والجيف وروث البقر.. كما تملك قدرات مدهشة على التكيف مع أي تغير وكارثة بيئية الأمر الذي أتاح لها الاستمرار على سطح الأرض منذ 200 مليون عام (في حين انقرض إنسان الننتدرتال في أوروبا والإنسان القزم في اندونيسيا خلال فترة لم تتجاوز 200 ألف عام فقط)!! ... أحد علماء الأحياء سئل عن أحب المخلوقات إلى الله؛ فقال: لابد أنها الخنافس؛ فقد خلق منها أكثر من 300 ألف نوع جميعها عصية على الانقراض...