أزعم أن الأديب والباحث الدكتور عاصم حمدان من أبرز من كتب عن المدينةالمنورة في هذا العصر، فهو إن كتب عن تاريخ طيبة وجدته مؤرخاً جاداً يتقصى الحقائق ويسعى لإبراز حوادثها مع تحليل لأسباب هذه الحوادث، وإن كتب عن حياتها الاجتماعية ألفيته باحثاً اجتماعياً لاطلاعه الواسع على كثير من أسرارها وعاداتها وتقاليدها محيط بمن سكن طيبة وهاجر إليها وجاور مسجد نبيها صلى الله عليه وسلم. وحين يستل قلمه ليتحدث عن الحركة الأدبية في المدينةالمنورة رمته كاتباً مدركاً بأسرار تطورها الأدبي منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري حتى هذه الأيام، وهذا لا يتأتى إلا لأولي العزم من أهل المعرفة الذين انكبوا على تراث المدينةالمنورة الأدبي ونهلوا منه حتى استقامت أقلامهم، وأقد أفرز هذا الاهتمام الملحوظ بطيبة الطيبة إصداره لكتابه الجديد «قديم الأدب وحديثه في بيئة المدينةالمنورة» الصادر عن نادي المدينةالمنورة الأدبي والذي أهداه المؤلف إلى الشاعر المبدع عبدالمحسن حليت. وقد وقف الدكتور حمدان في هذا الكتاب على حركة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحديث، وجاء ذلك في ستة فصول. مذكراً ببواكبر شعر المنافحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بالتطور الفني واللغوي الذي لحق بالشعر في العصر الأموي وخروج مدرسة الشعر العذري، مؤكداً دور حلقات العلم في الحرم النبوي ودورها في صياغة المعطيات الثقافية والفكرية والتي أفادت منها الحضارة الإسلامية التي لا تعرف انفصالاً بين الدين والعلم من جهة وعلوم الشريعة وفنون الأدب والإبداع من جهة أخرى. ثم يضرب المؤلف مثلاً نموذجياً بالعالم أمين بن حسين الحلواني المدني المتوفى عام 1316ه والذي عرف باتقانه لعلوم الأدب واللغة والفلك بل أقام علاقة - في ذلك العصر - مع عدد من المستشرقين منهم المستشرق هور خرنيه والمستشرق كارلو لاندبرج أدت علاقة الحلواني العلمية بهذه الشخصيات إلى سفر العالم الحلواني إلى ليون وامستردام سنة 1301ه. وفي هذه الحقبة التي برزت فيها شخصية الحلواني نشأت في بيئة المدينة كوكبة من الرموز الأدبية والشعرية أمثال الأديب عبدالجليل برادة والشاعر إبراهيم الأسكوبي والشاعر جعفر البيتي والشاعر المؤرخ محمد العمري الذي كان خطهم الشعري يمتاز بالوطنية ورفض التخلف والجمود والتشتت وقد وصل هذا الامتداد إلى شاعر مدني معاصر وهو السيد عبيد مدني (1324 - 1396ه). ويمضي الحمدان في هذا الكتاب مبرزاً دور المنتديات العلمية والفكرية والأدبية التي شهدتها مدينة المصطفى عليه السلام مثل منتدى الأبارية التي ارتبطت باسم العالم والشاعر عبدالجليل برادة، ومنتدى الأنورية نسبة للشاعر أنور عشقي وكذلك نادي المحاضرات والحفل الأدبي اللذين انبثقت عنهما صحيفة المدينة ومجلة المنهل الثقافية، وبعد سنوات كانت ولادة منتدى أسرة الوادي المبارك حتى إنشاء نادي المدينةالمنورة الأدبي عام (1395ه). ولم يفت المؤلف أن يعقد فصلاً كاملاً عن شخصية أدبية وثقافية هامة ساهمت في إثراء الحراك الثقافي والعلمي في طيبة الطيبة وهي شخصية الدكتور محمد العيد الخطراوي والملفت في هذا الكتاب ان مؤلفه لم يغب عليه تحليل جملة من النصوص الشعرية؛ نظمها طائفة من شعراء المدينةالمنورة خلال القرنين الماضيين، وهي قصائد في مجملها تصور الحياة السياسية والاجتماعية في المدينةالمنورة كما تلقي الضوء على حركة الشعر وقوالبه العتيقة، وذلك برؤية نقدية ثاقبة تحسن فن التذوق الجمالي في النصوص المنقودة. ولا يفوتني في هذا الحديث أن أوضح للقارئ الكريم ان الكتاب رجع فيه مؤلفه إلى جمهرة من المراجع والمصادر والدوريات والصحف بل عاد المؤلف إلى عدد من المخطوطات حتى يخرج كتابه للناس مضخماً بقيمته الأدبية والثقافية.