إن المراقب لواقع السوق العقارية السعودية الحالي يجد أنها مهيأة لتشهد انتعاشة كبيرة في المرحلة المقبلة بإذن الله وذلك بسبب حجم السوق الكبير الذي تتوفر فيه كل العوامل الاقتصادية المحفزة كما أن الاستثمار العقاري في السعودية الذي يعد من أهم وسائل الاستثمار الاقتصادي ويصنف في المرتبة الثانية عقب النفط من حيث حجم الاستثمار وقوة التداول وذلك من أجل تلبية الطلب المتزايد على المشاريع العقارية والتي يتوقع أنه حتى عام 2020 سيتم بناء نحو 2.62 مليون وحدة سكنية جديدة، بمتوسط 162.750 ألف وحدة سكنية سنوياً، في ظل النهضة الشاملة والتغيرات الاجتماعية الحديثة التي جعلت الشباب وهم النسبة الأعلى في مجموع السكان بنسبة تقترب من 75 في المائة من المجتمع بالمملكة هم من فئة الشباب أقل من 30 عاما. يتطلعون إلى إيجاد مساكنهم الخاصة بهم على أنماط تتوافق مع ميولهم وثقافاتهم المعاصرة وهو الأمر الذي يعني المزيد والمزيد من الطلب على الأراضي المطورة بهدف سد الطلب المتزايد عليها وطالما كانت المشاكل التي تؤثر في نشاط السوق العقاري السعودي موجودة ومستمرة على وضعها الحالي والتي تشكل في معظمها تحديات أمام انطلاق النشاط، فإن بقاء هذه المشاكل على نفس الوضع دون إيجاد حلول جذرية لها سيعني التأخير في تنفيذ العديد من المشاريع العقارية والبطء في تنفيذها وعلى سبيل المثال عندما يكون أكبر سوق عقاري في المنطقة الخليجية والذي يقدّر حجمه بنحو 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار) يعاني من العديد من السلبيات لا سيما توزع مسؤوليات النشاط على أكثر من جهة حكومية حيث إن المستثمرين في المجال العقاري يضطرون في كثير من الأحيان إلى الحصول على موافقات عديدة من وزارة البلديات والأمانات وزارة الصناعة والكهرباء وكذلك وزارة العدل عند طرح مشروع عقاري للاستثمار وعلى الرغم من الاستثمارات المرتفعة في قطاع العقار واتساع حجمه وتعدد أنشطته الأمر الذي يتطلب مرونة فائقة في التعامل مع أصحاب هذه الاستثمارات هذا من جهة . ومن جهة أخرى نجد أن اعتماد النطاق العمراني المحدث للعديد من المدن استغرق ما يقرب من خمس سنوات لاعتماده بصورته الحالية على الرغم من أن آخر مرة اعتمد النطاق العمراني فيها كانت منذ أكثر من 25 عاما ونظرا للحاجة المتزايدة للأراضي والتوسع الأفقي المستمر في تطوير الأراضي لتلبية الطلب المتزايد عليها فإن التوقع الحالي بأن النطاق العمراني الذي تم اعتماده مؤخرا لن يصمد أكثر من 10 سنوات على الأكثر ثم نجد أننا بحاجة إلى تحديث النطاق العمراني مرة أخرى ونجد أننا يجب أن ننتظر العديد من السنوات حتى يتم اعتماد نطاق عمراني جديد يلبي الحاجة لاعتماد المخططات الجديدة. هذا ناهيك عن أن المستثمر مطالب بتنفيذ اشتراطات التخطيط العمراني الجديدة والخدمات المطلوب توفرها في المخططات الخاصة من قبل المالك وهذه الاشتراطات التي لم يتم فيها مراعاة الفوارق بين المناطق والمدن سواء الفوارق الجيوغرافية للمنطقة أو الحالة الاقتصادية لدى المواطنين المستفيدين من هذه المخططات أو الوضع الاقتصادي لكل منطقة، وإنما بنيت هذه الاشتراطات على المدن الرئيسية مثل الرياضوجدة وعممت على المدن المتوسطة والصغيرة دون أي استثناءات هذا الأمر الذي أدى إلى أن العديد من المستثمرين قاموا بتكثيف استثماراتهم في مناطق محدودة مثل الرياض والدمام وجدة وأهملوا الاستثمار في باقي مناطق المملكة كما أدى إلى ارتفاع في قيمة الأراضي بصورة أدت إلى عدم تمكن الكثير من امتلاكه لقطعة أرض وكما لاحظنا جميعا أن المساهمات العقارية التي تمت في فترة الخمس سنوات الأخيرة وما صاحبها من مشاكل تعاني منها العديد من الأسر التي توسمت في المساهمات العقارية خيرا إلا أن عدم وجود ضوابط وشفافية وتنظيم دقيق للمساهمات أدى إلى تعثر العديد منها والتي يوجد حتى هذه اللحظة الغالبية العظمى منها لم تتم تصفيته حتى الآن أو حتى رد رأس مال المساهمين لذا فقد كان الحل المؤقت لنظام المساهمات العقارية من أجل أن يتم تنظيمها أن يتم إنشاء صناديق بإشراف هيئة سوق المال هذا الحل مازال يشوبه بعض التعقيدات التي جعلت بعض العقاريين يحجمون عن عمل هذه الصناديق. وليس أدل على ذلك من موافقة مجلس الوزراء الموقر خلال جلسة يوم الاثنين 14/2/1430 على آلية عمل لجنة المساهمات العقارية والتي من أبرز ملامح هذه الآلية استدعاء ومساءلة أصحاب المساهمات العقارية والمكاتب المحاسبية المشرفة على سير المساهمات العقارية لمعرفة وضع المساهمة. كما اشتملت الآلية على أن تتخذ جميع الإجراءات النظامية التي تسهم في حفظ حقوق المساهمين وإعادة هذه الحقوق بأنسب الطرق النظامية وبما أن العقار يعتبر من أهم القطاعات في مجال الاستثمار إذ يسهم بنسبة تقترب من 10% من الناتج المحلي غير النفطي وله تأثير مباشر في حياة المواطنين وأي ارتفاع فيه أو تراجع يمس المستثمرين والمواطنين على حد سواء بشكل مباشر وحيث إنه لا توجد جهة تنظم العلاقة بين المستثمر و الجهات الحكومية المتعددة لذا أصبحت الحاجة ملحة بل ضرورية لإنشاء هيئة عليا للعقار على غرار هيئة سوق المال التي تعد مرجعا فيما يتعلق بتداولات الأسهم والأوراق المالية, ودورها في تنظيم الاستثمار في هذا المجال. و قد أجمع معظم العقاريين على أهمية إنشاء الهيئة, كما أن الحاجة تزداد لوجود الهيئة حتى تعمل على تنظيم شئون العقار و تكون هذه الهيئة مرجعا لإصدار التراخيص والتشريعات والأنظمة مثل نظام الرهن العقاري، السجل العيني ، التمويل .... إلى بدل من تعدد الجهات, ووضع وتجديد وتحديث الأنظمة المعمول بها في السوق العقارية, وتنظيم المدفوعات والإيجارات وبيع العقارات السكنية والعلاقة بين المؤجر والمستأجر وكذلك إزالة المعوقات والمشاكل على الساحة العقارية كما أن وجودها ضروري لتنظيم القطاع العقاري بأكمله وتقديم خدمة تنظيمية لسوق العقار عامة وتوظيف كل المقترحات والأفكار الجادة لإصلاح حال العقار ومنها المنتديات والمعارض العقارية، التي تقام هنا وهناك كل فترة بدون أي تنظيم أو إعداد جيد وما هي إلا تنافس غير مفيد لا يعود على المنظومة العقارية بالفائدة المرجوة ولا توجد معالجة للسلبيات أو تحديد للأوليات ليكون ذلك النظام ملزما للجميع حتى لا يكون هناك تباين بين هذه المنطقة وتلك، حيث إن لكل مدينة سوقها القائم بذاته ولكن في نهاية الأمر العقار هو العقار يستمد أهميته من مواقعه الاستراتيجية، والمدن الكبرى لها آليات وأسعار تختلف بطبيعة الحال فمنها التجاري، السكني، الصناعي، والخدمي. لذا من الأفضل دراسة كل هذه المناطق على حدة ووضع أسعار تتواءم معها حتى يكون لدينا سوق عقاري يتمتع بصحة جيدة. يؤثر إيجاباً في الحركة التنموية العقارية التي تعتبر القاعدة والأساس لكل المشاريع التنموية لذا فإننا نوجه نداء بسرعة دراسة مبررات اعتماد هيئة عليا للعقار من قبل مجلس الشورى بالتنسيق مع اللجنة الوطنية العقارية تمهيدا للعرض للمقام الكريم بطلب اعتمادها حيث إن الوقت قد حان للإسراع في تنظيم السوق العقاري بالمملكة ووضع قواعد تحدد أسلوب العمل بين جميع أطراف الشأن العقاري وبالتالي سينعكس ذلك إيجابا على القطاع ويشجع على جلب الاستثمارات داخليا وخارجيا. * نائب رئيس اللجنة العقارية بغرفة أبها