في الجوف.. حيث الزيتونة والنخلة والبحيرة وأصدقاء الضوء، ورفقة الحقيقة، كنتُ هناك أقل من شاعر وأكبر من مدينة، وكان الأصدقاء في النادي الأدبي في الجوف برئاسة الصامت شعراً والمتحدث عطرا الصديق الحميم إبراهيم الحميد، يفتحون نوافذ الشمس على ردهات الظلام، ويستدركون الصحو في مخابئ النوم، كنت والصديقة الشاعرة الإعلامية ميسون أبوبكر، نسأل المدينة عنا فتجيبنا بشاشة النبلاء فيها، ونحملها معنا فتتعلق بها ذاكرتنا من أول الملكات الأربع حتى بط البحيرة.. لم نكن متوجسين ولا مرتبكين ولا متثائبين في ليلها الشتوي المُهاب، على الرغم من حادثة حريق خيمة الخنساء، وفوضوية الأذى الالكتروني في بعض المواقع المحسوبة عليها، حيث ظل الأصدقاء منسوبو النادي الأدبي فيما يملؤون عيوننا بآثار الأماكن، وعفوية الشوارع، وحميمية بيوتها (الطينية الصخرية) القديمة وشواريق الضوء فيها، حين يوطّنوننا في عاصمة غربتنا، ويكتشفوننا في غموض المكان بالنسبة إلينا، لننتهي بهم قصيدة في مساء لا يقل جمالاً عنهم، ولا يزايد على بياض قلوبهم، ولا يساوم أحلامهم التنويرية وأهدافهم الصاعدة كزيتونة أخذتها النخلة معها إلى السماء. كنا اثنين ثالثنا الطبيب الشاعر شاهر ديب في مساء شاء له التاريخ أن يكون حدثاً عطفا على وجود الشاعرة النبيلة ميسون أبوبكر بعد حادثة الظلام المتمثلة بإحراق خيمة النساء في مقر النادي الأدبي بالمنطقة قبل حوالي شهرين، ومناورات الظلاميين فيها، أولئك الذين لم يدركوا بعد أن الشمال كرامة أنثى، وأن الأنثى الشمالية كانت يوماً ملكة المكان في تاريخ يبدو أنه كان أكثر نوراً واستشرافاً من يد مغلولة أشعلت النار في الخيمة، وما علمت أنها إنما تشعل ضوءاً آخر رغما عنها، بينما كان رابعنا مثقفوها الذين حضروا ليقرؤوا القصائد في عيوننا بآذانهم المترفة بالضوء والكرم واستطلاعات القصيدة والتربية الدائمة على الذوق الشعري النبيل، لكن خامسنا ليس إلا ذكرى جغرافتيها ركن مطمئن في القلب كلما سئلنا عن مكانه قلنا هنا داخل (الجوف)..!