الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وبعد. فهذه خواطر وتعليقات أفرزتها نبضات الحياة: 1 - ليت عينيه سواء: ظهر في بعض صحفنا المحلية مطالبة بعض الشباب ذوي الانحراف في السلوك الأخلاقي فيما يتعلق بتحرشاتهم مع الفتيات في الأسواق أو اتصالاتهم بهن والقبض عليهم من قبل رجال الحسبة أو رجال الأمن ومعهم ضحاياهم من الفتيات فتتخذ الجهة المختصة قرار العقوبة ويكون القرار بالنسبة للفتيات استحضار أوليائهن وإخبارهم بما حصل على بنتهم وما حصل منها. وأخذ لتعهد عليه بمراقبتها وبذل الجهد في المحافظة عليها، وأما الشاب فينال عقوبته جلداً وحبساً وتوبيخاً وتعهداً، ويطالب الشباب بمساواتهم بالفتيات المغرر بهن وذلك بالاكتفاء باحضار أوليائهم وأخذ التعهد عليهم، ولا شك أن الغالب في الشباب أنهم السبب في الانحراف وأن عقوبة الفتاة بفضحها لدى أهلها عقوبة أعظم تأثيراً في النفس وفي الردع والزجر من أثر عقوبة الشاب المنحرف حينما تقرر عليه عقوبة الجلد والسجن والتعهد وتسجيل ذلك سابقة. ومن يشعر بالعار وآثار ذلك على الفتاة يدرك أن عقوبة الفتاة باشعار أوليائها بانحرافها الأخلاقي أعظم إىلاماً من جلدها وسجنها فالمطالبة بالمساواة مطالبة خاطئة والله المستعان. 2 - تصحيح مفهوم: نشرت بعض الصحف المحلية أن قرار تعيين أعضاء هيئة كبار العلماء استهدف تمثيل المذاهب الفقهية في الهيئة، وهذا غير صحيح فمجلس هيئة كبار العلماء في جميع دوراته منذ إنشائه عام 1391ه حتى الآن لم تكن قراراته مقتصرة على مذهب معين ولا أعضاؤه متمذهبين بمذهب معين ففيهم من هو حنفي المذهب ومالكي المذهب وشافعي المذهب وحنبلي المذهب دون أن يكون ملحوظاً في التعيين الانتساب إلى مذهب فقهي معين بل إن التعيين يستند فقط على الكفاءة العلمية والمقدرة الفقهية والتميز العقلي والأخلاقي وسلامة الاتجاه في التقوى والصلاح والمعتقد. والمتتبع لقرارات الهيئة البالغة أكثر من ثلاثمائة قرار يرى أن هذه القرارات ليست مقتصرة على مذهب فقهي معين وإنما تأخذ بما كان محققاً للمقصد الشرعي مستنداً على الدليل نقلاً وعقلاً وظاهراً رجحانه على الأقوال الأخرى. أذكر هذا بصفتي أحد أعضاء الهيئة منذ تأسيسها حتى الآن توضيحاً للواقع ورداً للإشكال وتصحيحاً للمفهوم والله المستعان. 3 - ملة الكفر واحدة: تتابع بعض غلاة أهل الكتاب الاستهزاء برسل الله ولا سيما برسولين من ذوي العزم من الرسل، هما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم والثاني كلمة الله ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فحبيبنا وسيدنا ورسولنا معشر المسلمين تناولته أقلام مسيحية آثمة بالهمز واللمز والاستهزاء والسخرية ولم يكن من المرجعية المسيحية - الفاتيكان - استنكار أو اعتذار، ولكن - والحمد لله - رب ضارة نافعة فقد رأينا وسمعنا اجتماع المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ومسالكهم على استنكار هذا الاتجاه الآثم وتجريمه والرجوع إلى سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسنته ونشرها والدعوة إليها وإيجاد القنوات الفضائية لتعبئة المشاعر نحو تجسيد الولاء في محبة رسولنا صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والدفاع عنه بمختلف وسائل الدفاع، والبراءة من أهل الكفر والشرك والضلال والإلحاد في أنبياء الله ورسله. وكلمة الله ورسوله عيسى بن مريم تناولته بالشتم والتجريح والشتم أيد يهودية وفي عقر دور المسيحية ولم يوجد - فيما نعلم - استنكار من المراجع المسيحية، ولو أن مسيحياً تعرض لخرافة المذبحة اليهودية بالتشكيك فيها لكان عقابه أعظم عقاب وأشده. 4 - استضعفوك فوصفوك هلاّ وصفوا الأسد: جاء في كتب الأدب أن أبا العلاء المعري مرض فجاؤوا له بأرنب مشوي وطلبوا منه أكله وادعوا أن فيه شفاءه وكان أعمى فتلمسه بيده وقال: استضعفوك فوصفوك هلاّ وصفوا الأسد، هذه الطرفة الأدبية تذكرنا بما صدر من محكمة العدل الجنائية من إصدار مذكرة توقيف لفخامة الرئيس السوداني عمر البشير للادعاء عليه بجرائم عدوانية في دارفور، ونحن نتساءل مع هذه المحكمة مجموعة تساؤلات منها: أليست منطقة دارفور جزءاً من السودان وتحت ولاية حكومة السودان؟ أليس تحقيق الأمن في دارفور من اختصاص حكومة السودان؟ أليس فخامة الرئيس السوداني عمر البشير رئيساً لحكومة السودان؟ أليس الرئيس السوداني عمر البشر مسؤولاً عن إدارة حكومته على جميع أراضي السودان؟هل اتجه الرئيس السوداني وحكومته في إخماده فتنة التمرد إلى عمل عدواني عنصري يتنافى مع صلاحيته بحكم مسؤوليته عن إدارة كامل بلاده ومنها منطقة دارفور؟ هل تجاوز في دعوى عدوانه أراضي الآخرين كما حصل من غيره في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها مما كان له أسوأ الأثر في هلاك الملايين من أهل هذه البلاد، وشاع فيها الهرج والمرج واضطراب الأمن وضياع المصالح؟ أين محكمة العدل الجنائية من هؤلاء؟ ألأن السودان ضعيف وأولئك أقوياء؟ مع الفارق الكبير في التصرف بين الجنسين في مبرر التصرف. الأمر كما قال أبو العلاء المعري: استضعفوك فوصفوك هلاّ وصفوا الأسد. نحن نستغرب شريعة الغاب فقد حكاها الشاعر العربي بقوله: والظلم من شيم النفوس فان تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ونؤكد على المستضعفين ضرورة الإعداد للدفاع عن أنفسهم، فالشاعر العربي الآخر يقول: تعدوا الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الضاري ومع ذلك فنحن نستغرب ممن يسمون أنفسهم بمحكمة العدل أن ينهجوا هذا النهج المنافي لمعاني العدل والإنصاف والله المستعان. 5 - مرفق الحسبة من ثوابت هويتنا: الحسبة في المفهوم الإسلامي هي مرفق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو معيار للخيرية عند الله تعالى، قال سبحانه: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» وقد عد بعض أهل العلم هذا المرفق من أركان الإسلام، فجعله الركن السادس من أركان الإسلام. وبتأملنا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نجدهما قد أعطيا هذا المرفق أهمية بالغة من حيث التأكيد على القيام به، ومن حيث ذكر الآثار الإيجابية في التقيد به، ومن حيث ذكر الآثار السيئة في تركه أو التعاون بتحقيقه، ونذكر لسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظه الله - الكثير من التأكيد على أهمية هذا المرفق ومن ذلك معنى قوله: بأن لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشاطاً في صد المنكرات يعادل نشاطات وزارة الداخلية في العمل على تحقيق الأمن للبلاد. أ.ه.، ولسنا في شك من ذلك، فكم من مراكز فساد وإفساد تم القبض على أهلها والقضاء عليها، وعند الهيئة تقارير إحصائية عن أعمالها في الأمر والنهي والتوجيه وهي متاحة لكل من أراد الاطلاع عليها. فنأمل من إخواننا المواطنين لا سيما ذوي الفكر والقول والقلم أن يقدروا نعمة الله علينا بهذا المرفق الاصلاحي النافع وأن يقدروا لحكومتنا الرشيدة عنايتها بهذا المرفق والوقوف مع القائمين عليه بكل ما يعينهم على أدائه، كما نأمل من الجميع ألا يعتبر أي تصرف خاطئ مبرراً للتبرم من هذا المرفق الإصلاحي النافع فالأخطاء تعالج والكمال لله وحده والبقاء للصالح والأصلح والله المستعان. 6 - كلمة حق قالها محق: في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - تقدم مجموعة من الجاليات الإسلامية إلى السفارة السعودية في إيطاليا للتقدم إلى الحكومة الإىطالية لإعطاء إذن بإنشاء مسجد جامع كبير ليكون مركزاً إسلامياً في روما، فعرض هذا الطلب على سفراء الدول الإسلامية، وقرروا تفويض الحكومة السعودية بالتفاهم مع حكومة إيطاليا بطلب الإذن وأن يكون ذلك من الملك فيصل، وبعد التقدم بالطلب أجابت حكومة إيطاليا بأن الأمر يحتاج إلى إذن من الفاتيكان، وبعد استئذانها من حكومة إيطاليا اشترطت الفاتيكان للموافقة على ذلك سماح المملكة السعودية ببناء كنائس في المملكة، فأجاب الملك فيصل بالسماح لإقامة كنائس في المملكة على شرط أن يكون المركز الإسلامي المشتمل على المسجد وتوابعه في أرض الفاتيكان، فأجابت الفاتيكان بعدم الموافقة، لأن الفاتيكان هي المركز الرئيسي للديانة المسيحية في العالم، فقال الملك فيصل: وكذلك المملكة السعودية هي المركز الرئيسي للإسلام والمسلمين في جميع أرض الله، فتمت القناعة بذلك وبني المسجد وتوابعه على مكان مرتفع بارز في روما. والتعليق على هذه القصة بأمرين: أحدهما أن الملك فيصل رحمه الله علق على موافقته على السماح بإقامة كنائس في المملكة على أمر يعرف أنه محال، ولا شك أن الملك فيصل لو كان يعرف أن الفاتيكان سترضى بشرطه ما قال لهم ذلك. الثاني أن بلادنا مركز رئيسي للإسلام والمسلمين وأنه يجب علينا - ملكاً وحكومة وشعباً - أن ندرك هذه المكانة لبلادنا وأن نعمل جهدنا على جعلها أسوة حسنة وقدوة صالحة للمسلمين في جميع مجالات حياتنا الإيمانية والعبادية والتعاملية المالية والأسرية والسلوك العام فرحم الله أمرأ عرف قدر نفسه والله المستعان.