إن هناك موروثاً تراثياً مشتركاً بين شعوب ودول الخليج، تشاهد ذلك جلياً في اللهجات والمفردات والمسميات المكانية، فتلاحظ التشابه الطرازي في المعمار، والتجزيئات الاستخدامية في المنازل والأحياء والمساجد والأسواق، وتجد مسمى سوق واقف وعشيرج والمرقاب في كل من قطر والكويت وكذلك بين قطر والمنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية مسمى المصانع والصنع والتويم والحائر والسليمي والسلمية الرويضة والروضة وغيرها. ومن المعروف تاريخياً أن الجزيرة العربية وبالأخص نجد كانت توفر مداً بشرياً مستمراً لدول الخليج منذ العصور المتوسطة، مع ما أدى إليه ذلك من نقل للثقافات والعادات، وبالتالي الترابط الاجتماعي والثقافي بين نجد والخليج، فمعروف أن معظم الأسر والقبائل المعاصرة في شرق الجزيرة كانت لها هجرة فيما بعد العصور الهجرية المتوسطة من منطقة نجد إلى شرق الجزيرة وخصوصاً قطر، ومنها اتجهت الهجرات إلى الكويت والبحرين وغيرهما من حواضر ومدن الخليج. ولعل هذا من أسباب ما تشهده من ترابط أسري وانتشار ما أسلفنا من لهجات وعادات وتقاليد، وانتشرت الفنون النجدية في الخليج كفن السامري والعرضة ذات الجذور النجدية، وتسمى أيضاً الرزفة أو الرزيف، وهذا النوع من الفن بدأ في الحواضر النجدية، حيث كان يؤدى استعداداً للحرب أو الغزو أو لرد الغزاة أو بعد النصر، فكانوا يجمعون ما عندهم من سلاح ويستعرضون به في موقع قريب من البلدة التي ينتمون لها لتحميس أبناء هذا الموطن للقتال، ومن ثم أصبح فناً يؤدى في المناسبات كالأعياد والأفراح والمناسبات الوطنية وغيرها. فيا حبذا لو يؤصل ويحفظ هذا التراث، فالتراث هو العنوان والثقافة والاعتزاز بالأمجاد لأي أمة، وهذا التراث جزء من تراث أمتنا العربية والإسلامية، وهو ثروة لأبناء هذه المنطقة وكيف لا وهذه المنطقة هي مهد العربية، فنناشد القائمين على التراث في دول مجلس التعاون بحماية المواقع الأثرية ومحاولة صيانتها لتبقى شاهداً ورمزاً للترابط بين أبناء المنطقة، والتي تكون منارة للأجيال المقبلة، ونستمد منها تاريخنا ونجد بها ما جهلناه من تراثنا، وأن تطور اللجان المختصة بتدوين التاريخ والتراث، فتصبح لجاناً دائماً، وتقييم الندوات والحوارات والنقاش للباحثين والمهتمين، وأن تنظم الزيارات الميدانية للمواقع الأثرية. وقد زرت في يوم الاثنين 14/12/1428ه بلدة أشيقر المدينة التاريخية العظيمة، مهد العلم والعلماء، بصحبة الأستاذ عبدالله بن بسام البسيمي، واطلعت على مشروعها الضخم الذي تبناه الأهالي في ترميم البلدة القديمة، فظهرت البلدة القديمة بحلة جديدة محافظة على تراثها العريق كما كنت في زيارة بتاريخ 22/11/1429ه مع الأستاذ راشد بن محمد آل عساكر لبعض المواقع الأثرية في الرياض القديمة كالمصانع ومنفوحة بقرب الرياض ورأينا حاجتها إلى العناية والترميم، مثلها مثل عدد من البلدات التاريخية التي زرتها في كافة مناطق المملكة، وقد استبشرنا خيراً من خبر نشر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 9 نوفمبر 2007م وكان تغطية لزيارة قام بها حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض حفظه الله لمنطقة الغاط في سدير وافتتاحه لأجزاء قد رممت منها، وكان هناك خبر عن ترميم وصيانة المدن التراثية في المملكة العربية السعودية، وجعلها مدناً سياحية للزائرين تقدم بها العروض والوجبات الشعبية كنموذج للمدن التراثية في الدول السياحية المتقدمة، وهناك لجنة يرأسها سموه يحفظه الله وهو المشهود له بالمحافظة على كثير من أجزاء التراث بالتدخل الشخصي منه في بعض الأحيان. فوفق الله سموه الكريم لهذه المهمة الجليلة ونتمنى كل التوفيق والرخاء لخليجنا المعطاء.