الأقاويل والتحليلات كثيرة عن الأزمة المالية العالمية، وبقدر ما فجرت الأزمات، طرحت الأفكار، من ناقد للإدارات في المؤسسات المالية، والوصول لبعض القناعات بأن الرأسمالية والعولمة وعدم المراقبة على الإجراءات هي التي رفعت سقف الأخطاء ، وخلقت الفوضى التي عصفت بالعالم كله، وقد تدافعت الدول باتهامها لبعضها، والتي أثبتت هشاشة الإدارة المالية العالمية مما أوجب خلق اتجاهات أخرى تعيد الثقة للاقتصاد الكوني كله.. قمة العشرين الثانية، أمام مفترق طرق عديدة، فهناك أفكار مطروحة لا تلتقي، وخاصة بين الاتحاد الأوروبي ، والولايات المتحدةالأمريكية، وهناك تحفظات وآراء من قبل الصين وروسيا ودول أخرى، وفي هذا المناخ يبقى التفاؤل والفشل معرضين للتوقعات الأسوأ، إلا أن الدوافع الضاغطة قد تخلق أجواء مصالحة وفقاً للضرورات الإجبارية على حل التناقضات بتسويات تخدم المصالح للدول كلها.. فالعالم، من خلال العاصفة، أثبت أنه وحدة واحدة، وأن القطار الذي تقوده أمريكا يفرض أنظمة جديدة، وهو ما تنادي به كل الدول الأعضاء في هذه القمة أي التغيير ، وتشديد الرقابة ، وتوحيد السياسات بما يتفق والمصالح لكل الشعوب والأمم، إذ لم تعد هناك حلول تفرضها دولة واحدة أو تتحمل تبعاتها مما يعني وحدة المشكلة ووحدة الحلول.. حرية التجارة هي أحد الخيارات المفتوحة، وكان المبشرون بها يعتبرون أنّ ما يجري يجب أنْ لا يخضع لرقابة الدول أو المؤسسات باعتبار الرأسمالية اقتصاداً حراً، وأي شيء يقيده يعني تباطؤاً في النمو والإنتاج والاستثمارات العابرة للقارات والقوميات، غير أن الأزمة أعادت الصورة إلى واقع مختلف حتى إن من نعى الرأسمالية بناء على التأميمات والتشريعات شبه الاشتراكية أعاد المبدأ القديم بأن الرأسمالية تحمل فناءها في داخلها، غير أن المتمسكين بها يستهجنون هذه الآراء .. وبصرف النظر عما ولّدته الأزمة من أفكار وتناقضات واجتهادات، إلا أن فرضية إعادة النظر بالطرق التي سببت الانهيار لابد أن تفترض النقد البناء، والتصرف على ضوء ما تفرضه المصلحة العالمية، بعيداً عن التصورات القديمة التي خلقت الفوارق بين القوى والتي تدعي كل منها أنها صاحبة القرار دون أي اعتبارات للاقتصادات الأخرى سواء كانت متقدمة أو ناشئة.. فالتوسع بالعضوية من الدول الثماني الرئىسية إلى العشرين لم يأت مجاملة أو حالة استثنائية، بل جاء لأن لكل دولة مؤثراتها وتلازمها مع الاقتصاديات الأخرى ، ولعل أوروبا وأمريكا، ثم اليابان لم تستطع تجاوز حجم الصين والهند، ولا مراعاة دول مثل كوريا الجنوبية، والبرازيل وغيرهما، وحتى المملكة التي توضع في حزام الدول الناشئة، كانت الوحيدة في المنطقة التي تمثل الثقل بينها، وهو اعتبار بُني على جملة حقائق أي أن الإسهام بالحلول مرتبط بمدى التعاون بين تلك الدول والتي يشكل اقتصادها ما يزيد على أربعة أخماس الاقتصاد العالمي.. القمة فرصة للنقد والتحليل ثم التجاوز ، ولعل الحشد للزعماء والاختصاصيين يعطي القمة مبدأ التغيير للأفضل، وهو أمر لا يقبل المساومات ولا الفشل طالما الجميع في الخندق الواحد..