جمعتني الصدفة في إحدى الدول الغربية مع شاب كردي تجاذبت أطراف الحديث معه عن كردستان: الأمة والثقافة والتاريخ. لم يضف ذلك الشاب المهذب إلى معلوماتي الكثير عن كردستان ومعاناة الأكراد عبر العصور إلا انه ربحني إلى صفه كمؤمن بالمعاناة الكبيرة التي مر بها الأكراد وبأحقيتهم بالحصول على بعض الحقوق التي حرموا منها لعقود . قال الشاب انه من المحزن عدم حصول الكرد على دولة خاصة بهم، ومن المحزن أكثر تشتتهم ضمن مجموعة من الدول القوية المتنازعة والتي اتفقت على شيء واحد فقط هو عدم تمكين الكرد من حقهم بالتميز لغويا وعرقيا وثقافيا عن بقية السكان. كان الشاب واقعيا، إذ انه يفهم الصعوبة التي تصل إلى حد الاستحالة تقريبا في جمع شتات الشعب الكردي في دولة واحدة. لذا كان طرحه يدعو إلى حصول الأكراد على نوع من الاعتراف بالهوية الكردية ودعم الثقافة الكردية بما يحمله ذلك من تمكينهم من تعليم أطفالهم لثقافتهم ولغتهم وفنونهم والاحتفاء بتراثهم ورموزهم وحصولهم على قدر متوازن من خيرات المناطق التي يعيشون فيها. إيران وتركيا وسوريا والعراق التي تتقاسم الأراضي الكردية وتضم ملايين من الأكراد كانت فظة في التعامل مع مواطنيها الأكراد. وللمفارقة فان النظام العراقي الذي عانى منه الأكراد كثيرا كان، في نفس الوقت، الأكثر تسامحا في حصول الأكراد على ما يميزهم ثقافيا عن باقي مواطنيهم. والغريب أن الدولة التي تضم النسبة الأكبر من الأكراد أي تركيا كانت الأقسى في تعاملها معهم. إذ حتى سنوات قليلة ماضية كان التحدث باللغة الكردية يعتبر جريمة تستحق العقاب. بل إن استخدام كلمة" الأكراد" لم يكن مقبولا بل يتم الإشارة لهم على انهم شعب جنوب الأناضول. وبالعودة إلى الشاب الكردي فانه أثار نقطة في غاية الأهمية تتعلق بلوم العرب على عدم إدراكهم لمقدار الظلم الذي حاق بالأكراد طوال عقود ؛ فالأكراد الذين يدينون في معظمهم بالإسلام وفق المذهب السني يرون بان الدول العربية نسيت قضيتهم، وان الشعوب العربية لا تعترف بمعاناتهم رغم أن الأكراد يرون أن العرب هم اقرب القوميات الأخرى إليهم. الأكراد يدركون أفضلية العرب على غيرهم إذ أن إيران تقيّم مواطنيها بناء على المذهب بينما تركيا تقيّم مواطنيها بناء على العرق. الأكراد يستحقون منا كعرب إبداء تعاطفنا معهم فقضيتهم عادلة ومعاناتهم طويلة وهم عرب الهوى حسب الجغرافيا والتاريخ.