قرأت مقال الكاتب عبدالله بن بخيت «ثري بيسز» وفهمت انه مقال ساخر، ثم أعدت قراءته بمزيد من حسن الظن، واتضح لي انه ساخر مع سبق الاصرار والترصد، وقبل ان اعلق على مقال «ثري بيسز» الساخر، فالسخرية احياناً مطلوبة، خصوصاً اذا كان القصد منها الاشارة الى اخطاء بهدف لفت الأنظار والعمل على تصحيحها، لكن ليس لدرجة جلد الذات التي امتهنها بعض كتابنا فعودوا الكثير من القراء عليها!. الأخ عبدالله يتحدث عن السعودي في لندن أيام السبعينات الميلادية، أي ما يقارب الاربعين سنة، قال ان السعودي فور وصوله الى لندن يذهب ليشتري بدلة «ثري بيسز» ثم يعود للفندق ويدعك نفسه بليفة جايبها معه من المملكة يشيل فيها غبار الوطن ويقضي وقته في المغازل. وما اود قوله ان السعودي في السبعينات كان يصل الى لندن، في الوقت الذي كان يصعب على الكثيرين من شعوب المنطقة قضاء اجازة في اوروبا، والبدلة ال «ثري بيسز» في اوروبا غالباً لا يلبسها الا شخص محترم (الاوروبيون يقولون هذا)، حتى ان بعض المواقع الراقية هناك، تشترط على زبائنها ارتداء بدلة «ثري بيسز» وهذه تحسب للسعودي صاحب ال «ثري بيسز» لا عليه. اما موضوع الليفة وغبار الوطن فهي مبالغة تجاوزت السخرية وجلد الذات الى تحقير ما له علاقة بالوطن، فقيام السعودي بالاغتسال خمس مرات في اليوم يضمن لنفسه من خلالها النظافة ليس من الغبار فقط، بل حتى من أي نجاسة قد تلصق به من جلوسه في حديقة الهايد بارك التي يجلس فيها الإنسان والحيوان في موقع واحد! وجلوس ذلك الشاب الذي يعرفه ابن بخيت ولا نعرفه في حديقة «الهايد بارك» وهو يقرأ كتابا وقلبه على البنات الخليجيات، هو اليوم وباعتراف الكاتب وبعد اربعين سنة يتجول في معرض الكتاب بالرياض، حتماً ليشتري كتبا، يعني ان الرجل منذ ما يقارب الاربعين سنة شخص قارئ اكثر من انه مغازلجي «الهايد بارك»، فمعرض الكتاب في الرياض لا يقع على مدخل الهايد بارك المقابل للكوينز وي، وهذه ايضاً تحسب لهذا السعودي لا عليه. ثم أنني لا افهم لماذا يحرص البعض على استخدام اسلوب التعميم في كل شاردة وواردة، الأخ ابن بخيت يقول عن الشعب السعودي «أول شعب في العالم يتنزه في حديقة عامة ببدلة وكنادر سوداء فاخرة وكرفته لا علاقة لألوانها بلون البلدة او القميص». هذا الكلام نتوقع من غير السعودي، من أناس لم يهيأ لهم وطنهم سبل العيش الرغيد الذي يمكنهم من السفر الى لندن قبل أربعين سنة! سواء لقضاء اجازة او للتعلم او حتى للعلاج شافانا الله وإياكم من الامراض. لست هنا أزاود على ابن بخيت في مسألة الوطنية وليس لدى أدنى شك في أن ابن بخيت كان يسافر الى اوروبا وقلبه في الرياض وتحديداً في شارع العطايف، لكنني كمواطن سعودي، احمد الله انني لم اسافر الى أوروبا لطلب الرزق مثل من ضاقت بهم بلادهم فتغربوا ولم يتمكنوا من شراء بدلة «ثري بيسز» وجزمة لامعة، ليظهروا او يظاهروا بأنهم لا يقلون قدراً عن السعوديين. شكراً لذلك الشاب السعودي الذي لبس في لندن قبل أربعين سنة بدلة «ثري بيسز» وظهر بمظهر المحترم، على الأقل أمام أهل لندن، ولم يظهر بمظهر الذين خرجوا من ديارهم مكتسين، وقضوا أوقات في اوروبا وهم شبه عارين!.