} ظل الفلسطيني في الفترة الماضية يفتح عينيه، رغب أم أبى على فائض من الخلافات والانقسامات بين الفصائل الفلسسطينية، وظلت صورة هذا الانقسام واضحة امامه دون أن يكون له أي مسؤولية في اختيار الفصيل الذي يتبعه، ظل يستمع طويلاً إلى حسن النوايا وإلى اسطوانات الشحن المتكررة والتي تكرس الكراهية لأبناء الشعب الواحد وتبتعد عن أي معايير موضوعية بإمكانها ان تحكم هذا الخلاف، وتمرره بعيداً عن احتياج الفلسطيني العادي إلى الأمن والأمان والسلام، وتوفير احتياجاته الضرورية ودون أي قياس لهذه الخلافات، أو تصنيف لأي فريق من المتصارعين على السلطة على ارث منقوص لايزال يتحكم به العدو، وان لايغرق ابناء الشعب الواحد بأيديهم واسرائيل تحاول أن تغرق المركب بمن فيه. اشتهى الفلسطيني البسيط ان يغتنم الفرقاء الفرصة للمصالحة لأنه لامعني للاختلاف والمشهد المطروح على الساحة يحتاج إلى الالتفاف والأىدي المتشابكة. ظل العرب يحاولون كثيراً من أجل لملمة كل الانشقاقات وقيادة السفينة إلى الشاطئ رغم الثقوب التي تعتريها. حاولت المملكة العربية السعودية في الاتفاق الشهير بمكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الإنسان العروبي الأصيل، الذي ظل يحكم الحلم ولايخاف إن لم يتحقق، أو يتنازل عن حلمه بأن يرى الفلسطينيين صفاً واحداً ويداً واحدة، وان لاخيار لديهم سوى المصالحة، والا فإن خيار الاختلاف والانقسام سيكون خطراً يستحيل من خلاله التفكير في وطن فلسطيني حر. أحيا خادم الحرمين الأمل بمبادرة المصالحة لكن عاد الاختلاف، الذي لم ينفذ ماتم الاتفاق عليه، وانضوى الجميع تحت خانة استحالة العودة إلى حلم اغتنام فرص اللقاء، او محاولة حماية ماتم ادراجه في الاتفاق. لكن هذه المرة عادت مصر وهي تحمل ادوارها التاريخية المأهولة بالمشوخ والتي لاينكرها أي عربي، عادت لتفرض دورها الذي نعتز به ومكانتها في دعم الاشقاء وفتح الأبواب المغلقة مرة أخرى، عادت لتحمي الأمل بعد «غزوة غزة» وتجمع الأشقاء للمصالحة، والمحاولة، والالتقاء عند نقطة امتحان الحلم، عادت مصر من منطلق انها دولة الريادة، ودولة الثقل العربي الذي ليس من الممكن تجاهله، او القفز فوق مواقفه الشجاعة والتاريخية من منطلق الجغرافيا والتاريخ، والاختصاص بالدور رغم صعوبته هذه المرة. جمعت مصر الفرقاء، الأخوة، في جولات عديدة واستضافت القاهرة هذه الحوارات المطولة والصعبة والتي لاتخرج عن نطاق المعركة، رعتها بحكمة مصر المعتادة، وبرغبتها الأكيدة في المصالحة التي هي مصالحة لكل العرب، وجمع للبيت العربي المشتت. تعاملت مصر معها من خلال كونها مشكلة فلسطينية - فلسطينية، وظلت تحكم الحوار دون أي تدخل، بل ظلت القيادة المصرية الحكيمة بقيادة الرئيس حسني مبارك على الحياد مع كل الاطراف وبالتزام كامل للوصول إلى الحل، وتجاوز الألم. كان الرئيس حسني مبارك حكيماً كعادته، اشرف على كل الخطوات بهدوء، وتجاوز كل الصدمات، ولم يتوقف أمام تلك المداخلات الخشنة او العنيفة من خارج ساحة المتحاورين والتي حاولت عرقلة المصالحة، وإعادة بعثرة الشمل الفلسطيني. تصرفت مصر بطريقة مسؤولة كما هي مصر على امتداد تاريخها فهي بيت العرب وكما قال خادم الحرمين الشريفين في رسالته المؤثرة والمهنئة للرئيس حسني مبارك على إنجاز المصالحة التاريخي من قبل مصر (بأن عقل القاهرة المتيقظ وراء انقاذ الفصائل الفلسطينية وان مصر وهي تقوم بهذه الجهود الرائعة في رأب الصدع الفلسطيني دون كلل او ملل يدل دلالة قاطعة ان مصر الشعب الحر الأبي مصر العروبة والإسلام وانها بقيادة الرئيس حسني مبارك الحكيمة تصدت لدورها المؤمل منها واثبتت كعادتها عن عزمها المستمر على ايجاد الحل للخلاف الفلسطيني). هذا التناغم والالتقاء بين الدولتين وهذا التجذر للعلاقات التاريخية التي تحكم البلدين يعكس الرغبة الأكيدة لدى السعودية ومصر في جمع الفلسطينيين وإذابة الخلافات بينهم، وان ماتم في الشهور الماضية كان يؤلم القيادتين وشعوبهما، وان التنسيق السعودي - المصري ظل فاعلاً على المستويات طوال الفترة السابقة وان المحاولات أيضاً ظلت مستمرة لرأب الصدع والتصدي لمن يطرقون الأبواب في الظلام ويتحركون لإفساد المصالحة واعتبار أن هذا الانقسام هو المطلوب لإدارة الصراع العربي من خلاله. تمت المصالحة وانتهت تلك اللحظات التي ابتلع فيها الانقسام احلام الفلسطينيين في وطن آمن يتعايشون فيه بأمن وسلام، ولكن هل انتهى كل شيء؟ الواقع ان ماقامت به مصر هو الصفحة الأولى وهو بناء الجسر المؤدي إلى ان يستأنف الفلسطينيون العيش الطبيعي في ظل حكومة واحدة وفصائل متصالحة، وان يأخذوا العبرة من الماضي، وان يتأكدوا أن النوايا مهما حسنت ينبغي ان تتحول الى عمل فعلي على أرض الواقع بمعنى مصالحة حقيقية لاتذيب الجهود المصرية الرائعة، ولاتقذف بها بعيداً في لحظة التفات كل فصيل إلى ساعته واعادتها إلى الوراء.