كانت (الوال كوش) في الثالثة عشرة من العمر حين تدربت على حمل السلاح في حقبة الحرب الاهلية بين شمال السودان وجنوبه حيث التحقت بمجموعة مسلحة تقاتل الحكومة. وتذكر المرأة البالغة من العمر اليوم 36 سنة والتي تعمل حارسة في سجن بولاية جونغلي (جنوب) مهامها الماضية ما بين نقل الذخائر ومعالجة الجرحى على جبهات مختلفة في نزاع استمر 21 عاما. وان كانت هذه المرأة التي فقدت زوجها لا تبدي اي تأثر عند تحدثها عن حياتها الماضية الا انها لا تتمالك نفسها عن البكاء حين تعرض ظروفها المعيشية بعد ثلاث سنوات على توقيع اتفاق السلام الشامل الذي وضع حدا لأطول حرب اهلية في افريقيا. وتقول «اننا نعاني كثيرا» وهي مسؤولة عن اعالة ثلاثين فردا من عائلتها بأجر شهري لا يتعدى 500 جنيه سوداني (225 دولارا). ولعبت نساء الجنوب السوداني دورا كبيرا خلال الحرب ولا سيما بحملهن السلاح في صفوف التمرد غير انهن تعرضن ايضا لأعمال عنف جنسي وتشكو العديدات منهن من التهميش. واعتبر برنامج الابحاث المستقل «الدراسات حول الاسلحة الخفيفة» الذي يتخذ من سويسرا مقرا له ان السلام «لم يف بالتعهدات» المقطوعة للمقاتلات السابقات بل ارغمت بعضهن على كسب معيشتهن بأي وسيلة بما فيها الدعارة. ولفت البرنامج في تقرير نشر في سبتمبر الى ان بعض الاجراءات المتخذة لحماية النساء مثل حظر جيش الجنوب شبه المستقل اعمال الاغتصاب والمذكرات الحكومية حول المساواة بين الرجل والمرأة بقيت «غير فاعلة الى حد بعيد» على الارض. وكانت بور عاصمة جونغلي من المناطق الاكثر تضررا جراء الحرب وقد عانت النساء بصورة خاصة في هذه المنطقة حيث يعتبرن بحسب التقاليد من فئة «الممتلكات» التي يمكن مبادلتها بالماشية في عقود الزواج. وفي هذه المنطقة تقضي امرأة من اصل خمسين اثناء الولادة وهي من اعلى النسب في العالم. اما نسبة تفشي الامية بين النساء المقدرة ب 12% فهي ادنى بثلاث مرات منها بين الرجال. وتقول (مارتا آين دنغ) المقاتلة السابقة والممرضة البالغة من العمر 49 عاما «قاتلت من اجل الحرية لكنه لا يمكننا حتى الآن الذهاب الى المدرسة» وتضيف المرأة التي قضى زوجها في الحرب واصبحت الآن مسؤولة في الشرطة «انني محظوظة لأن لدي عملاً لكن العديد من النساء لا يملكن شيئا ولا سند لهن». وتتساءل (راشيل نياداك بول) وزيرة التنمية الاجتماعية في جونغلي «ان النساء قتلن كالرجال في الحرب فلماذا لا تعامل النساء والرجال على قدم المساواة؟» ويقول (جون شوول) ماموت مدير مجموعة شباب النيل الاعلى «حصلت للنساء امور فظيعة خلال الحرب من اعمال اغتصاب وخطف نساء واطفال». ويضيف «اما الآن فإننا في زمن السلم ونعمل حتى يعي الناس (الوضع) ونشجع التغيير على صعيد العنف ضد النساء».ومن بوادر هذا التغيير ان سلطات الجنوب باتت تدعم التحاق البنات بالمدارس كما انشأت صندوقا لأرامل الحرب وخصصت ربع المناصب في الحكومة للنساء. وقال نائب رئيس السودان الزعيم الجنوبي سالفا كير في كلمة ألقاها اخيرا «علينا تشجيع وصول نساء قديرات ومتعلمات وناضجات الى مناصب مسؤولية ونفوذ لنتأكد من اننا نلبي حاجات امهات وشقيقات وبنات مجتمعنا». غير ان هوة تفصل بين ما تقوله الحكومة والواقع ويأسف البعض لتخصيص العائدات النفطية للنفقات العسكرية بدل تخصيصها للتعليم او الصحة.. ٭ (أ. ف. ب)