خلف الدمار الذي احدثه (تسونامي) في سومطرة باندونيسيا وخاصة اقليم بانداتشيه الذي شهد نقطة الارتكاز المدمرة والتي سحق من خلالها المدن والقرى فيما بقيت قرى اخرى مهدمة جزئياً حيث يتفاوت حجم الدمار من قرية لأخرى بحسب بعدها عن المد البحري الذي وصل الى «7»كم في بعض المناطق خلف كثيراً من المآسي التي لن تندمل جراحها إلاّ بعد مرور وقت طويل يعاد من خلاله بناء المدن والقرى واعادة تعميرها وقبل ذلك بناء البنية التحتية من طرق وكهرباء ومياه فيما تحتاج بقية القرى الى اعادة الترميم لكثير من المنازل والمنشآت الحكومية وحتى يتحقق هذا المبتغى لجأت الاسر الى جامعة المحمدية اقدم الجامعات التي تدرس الدين الإسلامي والتي لم يسلم منها سوى مبنى احدى الكليات فيما تهدمت باقي الكليات ولجأ الناجون من الدمار الى المدارس والى منازل الاسر من معارفهم وبهذا اصبحت المباني تأوي عدداً من الاسر فيما كانت مخصصة لاقامة اسرة صغيرة وبقي كثير من اللاجئين يبيتون في المخيمات داخل الاحياء السكنية ومنهم من وجد مكاناً في مخيمات اللاجئين التي استحدثها العديد من المنظمات الانسانية الدولية ولازالت ايضاً الصدمة النفسية من هول ما رأوه اثارها واضحة على محيا الكبار قبل الصغار الذين ارتسم الخوف من المجهول داخلهم وامسوا يخشون ظلام الليل خوفاً من تسونامي آخر خاصة وان الاقليم يشهد بشكل يومي عدة زلازل والتي بعدما كانوا يعتادونها اصبحوا يخافونها وفي اقليم بحجم باند اتشيه يصعب اعادة بناء المدن المتهدمة قبل رفع الانقاض الذي يسير ببطء شديد لعدة اسباب منها قلة المنظمات الانسانية التي تعنى برفع الانقاض وانعدام الطرق المسفلتة مما يحدث زحاماً شديداً في الطرقات يؤخر عملية سير الشاحنات المحملة بالانقاض وكذلك ارتفاع منسوب الانقاض في كثير من المناطق عن سطح الأرض والذي يحتاج الى نوعيات من الرافعات الثقيلة ويعاني عمال رفع الانقاض من انبعاث الروائح نتيجة تعفن ماتحويه تلك المباني قبل سقوطها من مؤن غذائية ناهيك عن تعفن جثث الموتى وجثث البهائم من اغنام وابقار وطيور فلقد تسبب طفح المياه عليها لعدة ايام الى تعفنها وعدم استطاعة الكثيرين من عمال الانقاذ تحمل تلك الروائح بالرغم من الجهود المبذولة لرشها بالمبيدات الحشرية ولم يسلم الناجون من الخوف المرتقب بانتشار الامراض الوبائية حيث المستنقعات المائية التي خلفها المد التسونامي سرعان ماتولد معها البعوض الذي لم تنفع معه المبيدات سواء التي تجوب الشوارع او مبيدات المنازل ومن هنا بدأ مرض الملاريا يعلن قدومه وقوة ما لم تتدخل المنظمات الطبية في تطعيم الأفراد وقبل ذلك المسارعة في رفع الأنقاض المتحجر بها المياه. كذلك بدأت مؤشرات أزمة مياه الشرب تدق الأجراس بعد أن تهدمت الآبار الجوفية ولم يجد اللاجئون بدءاً من غسيل ملابس في الترع الصغيرة وحتى لا يضطروا للموت عطشاً لجأوا إلى الشرب من هذه الترع وجميعها غير صالحة للشرب ولقد شاهدنا عدة أعلام تلوّح للمارة بلونين (أبيض وأسود) وهم يؤشرون إلى أفواههم بأيديهم طلباً للماء ولا غير الماء يطمعون. حقيقة إنها معاناة ليس من السهل إيجاد الحلول الجذرية لها ما لم تكن هنالك مساندة دولية حيث إن الكارثة فوق أن يتصورها قارئ هذه السطور التي لن توفيها حتى الجزء اليسير من المعاناة على أرض الواقع. وتأتي معاناة البطالة هاجساً مخيفاً للقرويين شعب اتشيه الذين يعتمدون على صيد الأسماك نتيجة الدمار الذي لحق بقوارب الصيد والذي قذف تسونامي بعضها على مسافة تتجاوز 1000 متر طائراً بها فوق المباني إلى مناطق داخل الأحياء السكنية. ويصف صبري، وهو أحد خريجي الجامع الأزهر ويجيد العربية قائلاً: منزلنا يبعد 6كم عن الشاطئ، وعندما سمعنا الصراخ خرجنا ومعي إخوتي أثنان لنستطلع الأمر وإذا بالأمواح البحرية تقترب منا مسرعة حيث صعدنا إلى سطح المنزل وهو من دورين وإذا الماء قادم إلينا من أعلى لونه أسود قاتم ومن تحت بلون الإعصار القاتم وعندما صعدنا شاهدنا المياه وهي تغطي كل المساحات وبقي على وصولها إلى السطح قرابة 30سم وتأكدنا أننا ميتون لا محالة وأصبحنا نلهج بالتشهد والدعاء واعيننا تذرف الدمع، وبعد قرابة 30 دقيقة انخفض منسوب المياه ونزلنا إلى سطح الأرض وكنا نسير والمياه إلى صدورنا نبحث عن مخرج للهرب إلى المناطق البعيدة، ولقد شاهدت من لديهم سيارات منهم من نجوا أما من ليس لديهم سيارات فلم ينج أحد منهم سواء بتهدم منازلهم أو بغرقهم داخل منازلهم بسبب ارتفاع منسوب المياه، فلقد تحولت باندا ادتشي لمدة 30 دقيقة إلى بحر هائج ومياه تغطي المباني وتقتلع الأشجار والنخيل ونحن بحاجة إلى إصلاح القوارب وإلى توفير المسكن وإلى إيجاد التطعيمات وحفر الآبار الصالحة للشرب وإعادة ما تهدم منها وجلّ خوفنا يتركز على الأمراض الوبائية ما لم يتم رفع الأنقاض وردم المستنقعات بشكل سريع. ويتحدث رئيس المجلس الاستشاري للعلماء المسلمين في محافظة أتشيه الدكتور مسلم البراهيم عبدالرؤوف واصفاً ذلك اليوم العصيب قائلاً: كنت خارج البيت وبسرعة رجعت إلى المنزل وأخذتهم على سيارتي ولجأنا إلى أحد المساجد في وسط المدينة الجامعية بدار السلام الذي غطت المياه الدور الأرضي فيما تجمع الناس في الدور الثاني حتى المساء، وبعد ذلك ذهب البعض إلى منازل معارفهم وأنا وأسرتي التجأنا إلى أحد الفصول الدراسية وكذلك عدد كبير من الأسر ولم ننم تلك الليلة من بكاء الأمهات والأطفال، وللحق أن غالبية، بل 90٪ من المباني من الأكواخ والعشش وهذا ما زاد في عدد الوفيات وساعد في تهدم تلك المنازل. وقال إن الخوف الآن على اليتامى ومصيرهم المجهول مع التيتم والمرض والتنصير وتهريبهم إلى الخارج، ولهذا نرفض أن توضع لهم ملاجئ خارج الاقليم حتى نحافظ على هويتهم وعدم طمسها ومن ثم استغلالهم الاستغلال السييء وهذا ما تنادي به الدول الإسلامية وفي مقدمتها المملكة التي وعدت بإيواء جميع يتامى بانداتشي المسلمين. غداً في الحلقة الرابعة يتامى تسونامي ومناشدة لحمايتهم من التشرد والتنصير. أسر تتحدث ل«الرياض» عن مآسيها ومستقبلها المجهول تكاتف المنظمات الإغاثية كفيل بأداء مهماتهم ورفع المعاناة المواطنون يريدون رحيل المنظمات الأجنبية من الاقليم.