عندما يقال علم الاجتماع يأتي الى الأذهان اسم ابن خلدون شامخاً ، وعندما يكون الحديث عن الاتصالات الرقمية يأتي اسم كلاود شانون ؛ العالم الأمريكي الذي كان مبدعا في علم الرياضيات ، وهذا سر نجاح المهندسين البارعين ، إذ تجد أن لهم باعاً كبيراً في علم الرياضيات ، تماماً كعلم اللغة في علم الشريعة ؛ فغالباً ما يبرز الشيخ الذي تكون لغته العربية وفهمه لها قوياً ، فالتأصيل اللغوي لعلماء الشرع مهم كأهمية التأصيل الرياضي للمهندسين. في طفولته لم يكن شانون كسائر الأطفال ، لم تجذبه الشخصيات الخيالية ليختارها أبطالاً له ، بل كان بطله المفضل تومس أديسون مخترع الكهرباء. أسهم شانون كثيراً في لعبة الشطرنج حيث قدم ورقة بحث حول برنامج يجعل الكمبيوتر مؤهلاً للعب الشطرنج مع أي شخص. صحيح أن شانون لم يخترع السي دي أو ملفات إم بي ثري أو الهواتف المحمولة ، إلا أنه مهد الطريق إليها ، بل وبفضل رسالته الماجستير استطاع شانون من خلال الدوائر الالكترونية الرقمية أن يجعل أجهزة الحاسبات أصغر حجما ، فبدلاً من أن كان حجم الواحد منها بحجم الغرفة أصبح محمولا. يعتبر شانون المؤسس لعلم الإتصالات الرقمية الحديثة ومخترع كلمة البت ( Bit ) وهي مأخوذة من الحرف الأول من كلمة ثنائي ( Binary ) والحرف الأخير من كلمة الرقم ( Digit ) ، والبت هو أصغر وحدة في عالم الاتصالات ، وهو إما أن يكون واحداً أو صفراً ، فالواحد في الحقيقة يعني إرسال نبضة كهربائية ، والصفر يعني عدم ارسال شيء. من خلال ترتيب الاحاد والاصفار بطرق مختلفة يمكن تحويل الصور والاصوات والافلام وكل ما نشاهده في الانترنت الى عدد كبير من البت ومن ثم ارسالها الى الطرف الآخر ، وكذلك المكالمات الصوتيه يتم تحويلها الى آحاد وأصفار قبل إرسالها ، وعند استقبالها في الطرف الآخر يتم استعادة الكلام من هذه الأصفار والآحاد. استطاع بعد ذلك شانون من وضع قانونه الشهير والمتعلق بعدد الأصفار والآحاد أو البتات التي نستطيع ان نرسلها عبر قناة اتصال في الثانية الواحدة ، كما أسهم في نظرية انتروبي المعلومات. وبالمناسبة عندما نقول لدينا قناة دي اس إل ذات سرعة واحد ميقا ، فهذا يعني أننا نسطيع أن نرسل مليون نبضه في الثانية ( سواء أكانت واحد أو صفر ) ، فلو أردنا أن نرسل صورة حجمها مليون بايت ، التي هي 7 ملايين بت ( لان البايت عبارة عن سبعة بت ) ، فهذا يعني أننا نحتاج الى سبع ثوان عبر قناة دي إس إل التي لدينا ، فدائما ما تقاس سرعات الاتصالات بالبت بينما تقاس حجم الذاكرة بالبايت والتي تساوي سبعة بت. اهتم شانون آخر حياته بالألعاب البهلوانية ، من خلال رمي ثلاث وأربع وخمس كرات دون أن تسقط على الارض بحركة سريعة وبهلوانية كما يفعلها أصحاب السيرك ، ثم اخترع رجلاً آلياً للقيام بهذه العملية بإتقان. قبيل موته فقد ذاكرته بسبب مرض الزهايمر ، تلك الذاكرة التي اخترعت العالم الرقمي الذي مكننا من ضغط وتخزين المعلومات الرقمية في رقائق إلكترونية ، توفي في 24 فبراير عام 2001 وعمره 84 عاماً. لو لم يكن شانون لكان العالم متأخراً عن ماوصل إليه في تقنية الاتصالات الحديثة والمعلومات على الاقل عشرين سنة ، فهل كان يخطر ببال شانون ، عندما كان غارقاً في أبحاثه ، بأنه سيؤثر على العالم أجمع الى هذا الحد ؟ ، أياً كانت الإجابة يبقى السؤال الأهم إلى كل عالم وباحث ، كن كما كان العظماء وسيصل علمك الآفاق ولو بعد حين .