أظهرت هيئة السوق المالية السعودية إصرارا من خلال تمسكها في تحقيق الأهداف التي تخدم مصلحة سوق المال والمتمثلة في زيادة عمقه وإيجاد فرص أمام المستثمر عبر طرح شركات جديدة للاكتتاب العام. إلا أن الواقع وضع الهيئة أمام عدة صعوبات إستراتيجية تتمثل في مدى قدرتها على خلق التوازن بين الفرص الموجودة حاليا في السوق والاكتتابات الجديدة، في ظل انخفاض مستويات الأسعار في أسهم شركات السوق، ووجودها تحت قيمها العادلة والذي أكدته تقارير بيوت الاستثمار، الأمر الذي يعني وجود فرصة ربح حقيقية أمام المستثمر تجعله يضع اتخاذ قرار الاكتتاب في الميزان قبل تنفيذه خصوصا مع طرح أسهم شركات بالسعر العادل تتضمن "علاوة إصدار". وكان قرار المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في التخلي عن نسبتها في الاكتتاب في شركة الاتصالات المتنقلة "زين" أولى الملامح الفعلية التي دلّت على بروز هذه العقبة في طريق توجه الجهات المسؤولة لزيادة عدد الاكتتابات، وعلى وجه الخصوص أن مبرر التأمينات الاجتماعية في حينه هو عدم ملاءمة الاكتتاب لأهدافها الاستثمارية في ظل وجود فرص تتوافق مع هذه الأهداف داخل السوق آنذاك (وما أشبه اليوم بالبارحة). كما تعززت هذه الظاهرة مع انسحاب المؤسسة العامة للتقاعد عن الاكتتاب في نسبتها في شركة اتحاد عذيب للاتصالات، الأمر الذي يجعل أصوات الإنذار تعلو فوق مسامع المراهنين على قدرة الطروحات الجديدة في تلبية الحاجات الاستثمارية للمتداولين وتحقيق الأهداف المرجوة منها داخل التعاملات. كما مثّل الزخم الهائل في عدد الاكتتابات معوّل هدم لتوجه الهيئة الملموس في تنمية الفكر الاستثماري لدى المتعاملين، بعد أن نتج عنه استنزاف الجزء الاستثماري الموجه للسوق من أموال المساهمين، مما أجبرهم على محاولة التخلص من بعض استثماراتهم للدخول في اكتتابات جديدة، والذي كرّس انصراف المساهمين من الاستثمار إلى المضاربة ونمّى جانب التخلي السريع عن الأسهم بحجة توفير سيولة للاكتتابات الجديدة. وذكر أحمد الحميدي مراقب لتعاملات السوق، أن طرح الشركات للاكتتاب العام في سوق الأسهم السعودية يتطلب وضع معايير محددة تضمن سلامة واستقرار السوق بالإضافة إلى الأنظمة المعمول بها والخاصة بالسماح للشركة لطرح أسهمها للاكتتاب العام. وأضاف أن الهدف من الاكتتابات ليس في طرح أكثر عدد ممكن قائلا "لا يمكن أن يكون هدفنا الدخول في كتاب (جينيس) للأرقام القياسية من حيث كثرة طرح الاكتتابات في زمن وجيز"، مشيرا إلى وجوب مراعاة التوقيت المناسب بالإضافة إلى نوعية الطرح التي تخدم المصلحة العامة للمتداولين في السوق. وأفاد الحميدي على الرغم من ايجابية طرح عدد من الشركات للاكتتاب العام إلا أنه لا يمكن أن نتجاهل الآثار السلبية للاكتتابات على مجمل شركات السوق، مطالبا بجدولة وتقنين الطروحات الجديدة لتتناسب مع متغيرات السوق ومجريات التداول، متسائلا عن المعايير الدقيقة للطرح سواءً من ناحية الكم أم الكيف.