فتحت حركة الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة في الستينات أبواب الفرص الاقتصادية والاجتماعية للامريكيين من أصل افريقي بيد انه واكب ذلك تآكل في الاسرة السوداء الامر الذي أثار جدلا في المجتمع الامريكي لا يزال مستمرا حتى الآن. ويوم الثلاثاء المقبل يدخل باراك أوباما أول رئيس أمريكي أسود إلى البيت الابيض مع أسرته الصغيرة المكونة من السيدة الأولى ميشيل وهي أستاذة جامعية ضليعة وابنتيه ماليا ( 10سنوات) وساشا ( 7سنوات) ووالدة زوجته ماريان روبنسون بل وأول كلب وهو ما وعد الرئيس ابنتيه بإحضاره. وبينما تتطلع البلاد إلى أوباما لإخراجها من مستنقع حربين وركود اقتصادي عميق فان ثمة توقعات متزايدة بالنسبة للجانب الثقافي من الرئاسة أيضا والذي يتجاوز الافتنان المعتاد من جانب الرأي العام الامريكي بالحياة الخاصة بالاسرة ساكنة البيت الابيض. كتبت جيري إي سومر الكاتبة في شئون الجمال بمجلة تودايز بلاك وومان تقول "ان اسرة اوباما ستعطي صورة جديدة عن الاسرة السوداء التي شاع عنها التفكك والسلبية وغياب الحب. السيد اوباما وزوجته سيصححان هذه الصورة وسيكونا مثلا يحتذى لأسرة أفضل تعطي القدوة والنموذج". وقد وثق تفكك الاسرة السوداء منذ الستينات عندما قام دانيل باتريك موينهان - الذي صار فيما بعد سيناتورا وظل في موقعه هذا لفترة طويلة - بتحليل بيانات تظهر ارتفاعا مزعجا في عدد الامهات السود - دون أب- وتأثيره على تنامي الفقر بين السود. وأثار التقرير مناقشات حامية الوطيس حيث كال ناشطون سود الاتهام لموينهان بأنه يلوم ضحايا العنصرية على ما يعانين من مشكلات. وسرعان ما طمس التقرير مع ظهور تساؤلات حول دور سياسات الرعاية الاجتماعية التي لا تساعد المرأة إلا في حالة غياب الأب وعن التأثير الشامل لارتفاع أعداد الامهات - دون زواج- على الاسرة والتماسك الاجتماعي. في الخمسينات كانت نسبة الاطفال السود الذين ولدوا من أمهات دون زواج ونشأوا في كنف أسرة مكونة من هذه الام فقط هي التي تتولى أمور التربية والانفاق لا تتعدى 15في المئة. زادت هذه النسبة إلى 24في المئة في الستينات حتى مع تنامي الطبقة المتوسطة السوداء ثم إلى 56في المئة في الثمانينات والي 70في المئة اليوم بحسب مقالة للباحث الاجتماعي كاي هيمووتز نشرت مؤخرا بصحيفة نيويورك تايمز. وأنحى هيمووتز باللائمة في وجود مثل هذه الام وهذه الأسرة على استمرار الفقر الذي يؤثر على نصف الاطفال السود المولودين في أسرة لأم فقط. ولا تتعدى نسبة الفقر بين الاطفال السود المولودين من زوجين 12في المئة فقط. وقد عالج أوباما نفسه موضوع مسئولية الابوين. وفي حزيران/ يونيو القي خطابا مثيرا للجدل في عيد الاب انتقد فيه غياب الآباء السود وحثهم على الاهتمام بشكل أكبر بتربية أطفالهم. وقال أوباما "لقد تخلوا عن مسئولياتهم وراحوا يتصرفون كأطفال لا كرجال. وان الاسس التي تقوم عليها أسرنا صارت أضعف بسبب ذلك". وأشار اوباما إلى أن الاطفال الذين ينشأون دون أب "من المرجح بنسبة خمسة أضعاف أن يعيشوا في فقر وان يرتكبوا جرائم ومن المرجح بنسبة تسعة أضعاف أن يتسربوا من المدرسة و 20مرة أن ينتهي بهم الحال إلى السجن". وقدم الكوميدي بيل كوسبي قبل 3أعوام أعمالا فنية حملت ملاحظات وانتقادات مماثلة للرجال السود الذين يتخلون عن مسئولياتهم الاسرية. وفي الواقع كان كوسبي أول من حرص على تصوير الاسرة السوداء العادية وكان ذلك عبر مسلسل تليفزيوني في الثمانينات وقد أكد في المسلسل على ما تحمل الاسرة السوداء من الطبقة المتوسطة من قيم في مجال التعليم والعمل الجاد والابوة. ولا تزال مثل هذه الاعمال نادرة في التيار الرئيس لوسائل الاعلام. ومن هنا كان حرص أسرة اوباما مع إظهارها لعواطفها الجياشة كل تجاه الآخر علانية على التأكيد على أهمية تواضع ابنتيهما وعدم ابتعادهما عن الواقع المحيط بهما رغم ما هم فيه من شهرة واهتمام إعلامي. وفي اليوم التالي للانتخابات مباشرة اصطحبت ميشيل اوباما ابنتيها ساشا وماليا إلى المدرسة عند الساعة العاشرة صباحا. بل وفي مقابلة إذاعية وصفت السيدة الاولى القادمة كم هي محرجة ابنتها ماليا بفعل الاهتمام الاعلامي الذي واكب انتصار والدها في الانتخابات. كتبت هاريت كول مديرة مجلة ايبوني المبدعة في عدد المجلة الذى يصدر في (شباط) فبراير عن الاثارة المتزايدة بشأن إمكانية مثل هذه "الطبيعية" مع وصول أول رئيس أسود إلى البيت الابيض. وقالت "كثيرا ما سمعنا قصصا عن القلوب الوحيدة في مجتمع السود عن الاسرة ذات الام - بلا زواج - التي تعول الاسرة عن الانفصال بسبب السجن، عن انعدام الشعور بالمسئولية وترك الصغار لحوادث الدهر تفعل بهم فعلها". وخلصت إلى القول "هاهو الحب الحقيقي بين السود لم يعد قصة من نسج الخيال في عيون العامة. كما لم يعد وجوده يقتصر على مسلسلات كوسبي. انه يتجسد الآن حيا في شارع 1600بنسلفانيا أفنيو".