لمرة واحدة فقط لمرة واحدة أريد أن اراه متوتراً ولن اتمنى شيئاً آخر في حياتي غير هذا لاحظ اني اقول متوتراً ولا اقول عصبياً، فلقد اتفق جميع من يعرفونه على ان وصوله للعصبية يعتبر من رابع المستحيلات. حتى ونحن عالقون في زحام الطريق منذ نصف ساعة وسط اجواء الرياض الربيعية التي لا يشوبها سوى ان مؤشر الحرارة في السيارة يشير الى ان درجة الحرارة الخارجية تتجاوز الخمسين. حتى ونحن ننتظر توبيخ رئيس العمل الجاف والمواعيد الهامة التي ستفوتنا. حتى ونحن نتعرف على سبب الزحام، وانه لم يكن سوى ان بعض السيارات توقفت لمشاهدة سيارة متعطلة على الجانب المعاكس من الطريق. كل هذا بل واضعاف اضعاف هذا ما كان ليذيب ولو جزءاً بسيطاً من كتلة اعصابه الجليدية. صرخت لا ارادياً: الحين ما تقولي وش جايبك من هنا ودون ان يلتفت اجاب: ياخي سماعة جوالي خربانة، بمر محل يصلحها على الطريق، كل اليوم وانا ما أكلم إلا بالسبيكر - مكبر الصوت - حق السيارة طيب وجايبني معك ليش. رد بابتسامته الصفراء التي لا تتغير عند أي موقف. عشانك حبيب قلت وانا ابحث عن اثارته: - حسبي الله على اللي عرفني عليك لم يكلف نفسه الحديث بل رد بنفس الابتسامة. بماذا كنت أفكر هل كنت أبحث فعلاً عن اثارته، هذا جنون بحق. حتى وانا افشل دائماً من خلال خمسة عشرة عاماً وهي مدة صداقتنا، إلا اني لا اعرف ما هو سبب محاولاتي الدائمة، ربما لاني كنت احس ان رؤيته وهو في حالة انفعال سيكون مشهداً فريداً من نوعه. رنين هاتفه الجوال بدد صمت المكان ضغط بيده زر مكبر الصوت وهو يقول: هلا يمه «هلا والله، عسى ما نسيت موعدي اليوم أجاب ببرود: لا ما نسيته ودون مقدمات انخرط في نوبة سعال شديدة (بصوت مرتفع).. أمه: الحين ما تقولي متى بتترك هالفساد اخذت نوبة سعاله تزداد مما زاد من غضب أمه: كني أشوفك..؟؟ براطم سود وريحة هالعطر اللي يفوح من «أفمك»؟ وبكل ما يملك من ارادة اوقف نوبة سعاله ورد بصوت متقطع: يمه، تراني اكلمك بالسبيكر وعندي ناس وبكل ما اوتيت العجوز من عصبية قالت: كذاب، تعلمني فيك، هذا طبعك اذا ما بغيت تكلم واجهشت بالبكاء. كلا، لن أصدق كلا، فهذا مستحيل هل من الممكن هل من المعقول هل ما اراه حقيقة أم وهم الخيال أهذه رعشة يد متوترة أهذه نظرة عين متوترة لقد كنت ارى خطوط وجهه تزداد انقباضاً مع كل زفرة ساخنة تطلقها امه لم يستطع التحمل، فمد يده بعصبية واغلق الخط زاد من سرعة السيارة وهو يصعد جسر الخليج (أكبر جسور الرياض) اذاً فشكوكي في محلها لابد انه واجه هذا الشعور الجديد عليه هذه هي الفرصة التي كنت انتظرها طوال حياتي وهذه هي اللحظة المناسبة لاقتناصها يجب ان اتحرك يجب ان اقوم بالخطوة المناسبة، من اجل مشاهدة رابع المستحيلات يجب ان تكون هذه الخطوة سريعة قاسية جارحة ان تصيب صلب الموضوع وتعزف على اكثر اوتاره حساسية سأشاهدك ايها المشهد اللعين، سأشاهدك مهما كان الثمن بنبرة صوت استفزازية تعلوها نظرة احتقار قاتلة قلت: صحيح انك ما تستحي، ولا فيه أحد يسكر السماعة في وجه امه وهي تبكي وما ان نطقت بآخر حرف حتى بدأ عرض المشهد الذي كنت أحلم بمشاهدته طوال حياتي انعطف بالسيارة من اقصى المسار الايسر في الجسر الى اقصى المسار الأيمن وسط زئير ابواق السيارات التي كانت تعزف الموسيقى التصويرية للمشهد اوقف السيارة فجأة وكأنها السيارة الوحيدة التي على الجسر اندفع فاتحاً الباب الذي بجانبي وبنظرة لاهبة احرقت كل ما حولها مد يده وهو يشير لي بالخروج قلت ذاهلاً: انت صاحي اشاح بوجهه ويده ما زالت تشير لي بالخروج تحذير صحي التدخين سبب رئيسي لسرطان الرئة وامراض القلب والشرايين وبكاء الامهات وطرد الاصدقاء من السيارة في منتصف كبري الخليج