تعتبر اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م هي البداية الحقيقية لحماية المدنيين العزل، هذا وإن كان قد سبقتها اتفاقيات عدة قبل الحرب العالمية الثانية منها اتفاقيات عام 1864، 1906، 1929م كل هذه الاتفاقيات لم تنص على حماية المدنيين، وإنما تنص على حماية ضحايا النزاع المسلح من أفراد القوات المسلحة. هذا وإن كانت اتفاقية جنيف لسنة 1949م تناولت في طياتها حماية المدنيين العزل، إلا أنها قد اعتراها بعض القصور في مفهوم الحماية للمدنيين، لكن هذا القصور قد تداركه بروتوكول جنيف الأول عام 1977م فتوسع في نطاق الحماية للمدنيين العزل. وأود أن أنبه القارئ إلى أن كل هذه الاتفاقيات اعتراها بعض القصور خصوصا للأطفال فهي لم تعط لهم حق الحماية العامة الكامل في النزاعات المسلحة وغيرها.. ولكنها تنص فقط على الرعاية والعناية ولم تقتصر على مجال معين. @ المدنيون الواجب حمايتهم دولياً:- 1- الأشخاص المشاركون في أعمال الإغاثة: هم من المدنيين تشملهم الحماية، ولكن بشرط "عدم تجاوزهم حدود المهام المنوطة بهم". 2- المراسلون والصحفيون: الذين يباشرون مهامهم المهنية في مناطق النزاعات المسلحة هم مدنيون ومن ثمَّ تجب حمايتهم، ولكن بشرط ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين، وعدم الإخلال بحق المراسلين. 3- أفراد الدفاع المدني: يجب حمايتهم كمدنيين، ولكن بشرط ألا يقوموا بأي مهام عسكرية ضد الخصم. ومما تجدر الإشارة إليه هو عدم جواز الهجوم على الأشخاص المدنيين، وحمايتهم من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، فجاء في بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977م المادة (43) واتفاقية جنيف 1949م المدني هو كل شخص لا ينتمي لأي من فئات الأشخاص المشار إليهم في البنود الأول والثاني والثالث والسادس من المادة الرابعة للاتفاقية. أيضاً يحرم القيام بأي عمل من أعمال العنف أو التهديد الذي يقصد به بث الذعر والرعب بين السكان المدنيين، كما يحظر القيام بأي هجمات عشوائية والتي من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين والمصالح المدنية دون تفريق..، ويحظر القيام بهجمات الردع ضد السكان المدنيين والأهداف والمنشآت المدنية، كما يحظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب سواء كان بغرض الضغط على الخصم أثناء الحرب، أو حتى الضغط عليهم للنزوح عن بلادهم، وهذا ما أقره بروتوكول عام 1977م. وأكبر شاهد على ذلك ما يحدث حالياً في فلسطين وخصوصا قطاع غزة من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والأعراف والمواثيق الدولية ضاربة بها إسرائيل عرض الحائط، وأن ما تقوم به حركة المقاومة الإسلامية حماس وغيرها.. هو ليس إرهاباً كا يصفونه، وإنما دفاعاً عن الحق المغتصب بقوة السلاح لا بقوة القانون ونقول: "إنه لا توجد في القانون الدولي العام علاقة أو قاعدة تحول بين السكان في الأراضي المحتلة وبين القيام بأعمال المقاومة الوطنية المسلحة بل هناك من الواجب ما يحتم عليهم ذلك دفاعاً عن الوطن وحرمته وانتصاراً للشرف". أضف إلى ذلك التمييز بين مفهوم الإرهاب وحركات المقاومة هي: المشروعية لأنها تجري تجاه عدو أجنبي فرض وجوده بالقوة العسكرية الغاشمة وافقده استقلاله وسيادته، وهذا ما أكدته مبادئ القانون الدولي. هذا ما جاءت به القوانين الوضعية القاصرة، وإليك ما جاءت به الشريعة الإسلامية الكاملة. @ حماية المدنيين العزل أثناء النزاعات المسلحة في الشريعة الإسلامية:- الإسلام منذ ظهوره وهو يحترم حقوق الإنسان وينظم علاقاته بالآخر في السلم أو في الحرب عملاً بقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر) وقوله (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وعليه فلا يجوز شرعاً توجيه الأعمال العسكرية إلا لمن يقاتل بالفعل، أما المدنيين العزل فلا يجوز شرعاً استهدافهم بآلة الحرب الغاشمة، عملاً بقوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة 190.ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى النهي عن قتل من لم يقاتل وأيضاً النهي عن المثلة وقتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والعجزة. والاعتداء على دور العبادة والمصالح المدنية وعملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم "اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع ولا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً". وما أوصى به أبوبكر الصديق رضي الله عنه جنوده عند الغزو: "لا تقتلن امرأة ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تحرقن نخلاً، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن". هذه هي مبادئ الإسلام الحكيمة ووصايا رجاله مقارنة بما يفعله العدو الصهيوني حالياً في غزة والصمت الدولي لما يحدث وخرق قواعد القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق الدولية بحجة محاربة الإرهاب (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) بل دفاعاً عن الدين والمقدسات الدينية والنفس والمال والعرض ودفع ظلم المعتدي على الأراضي المقدسة الطاهرة من دنس المحتل. وبهذا وإن كان القانون الدولي الإنساني يعتريه بعض القصور في مجال حماية المدنيين والنساء والأطفال والأعيان المدنية والتطبيق على الدول الضعيفة والكيل بمكيالين، فإن الشريعة الإسلامية الغراء تطبق مبدأ المساواة مطلقاً بين الجميع دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون، وتدعو إلى احترام الآخر وتجرم ممارسة العنف ضد الأشخاص وسلامتهم وخصوصا التعذيب البدني والتخريب والإتلاف والتدمير للأعيان المدنية وغيرها. @ عضو هيئة التحقيق والادعاء العام