يبدو أن بلدنا لا يتميز بكثرة النفط والنخيل والرمال فقط، بل هناك مزية رابعة بالإمكان أن تضاف إلى هذه المزايا الثلاث وهي كثرة الخبراء وتعدد مشاربهم واختصاصاتهم. ولأننا مجتمع له خصوصيته، فان من خصوصية خبرائنا أن تجد البعض منهم، إن لم يكن الكثير، وهم قد أصبحوا خبراء وهم في بداية عقدهم الثالث من العمر. دعونا نتجاوز ذلك، حيث يبدو انه نتيجة وليس سببا فهو نتيجة مجتمع يلعب فيه الصوت دوراً في إبراز الشخص ووضعه في المقدمة، إلى الحديث عن بعض آراء خبرائنا التي لا يمكن السكوت عنها، لما لها من تأثير على بعض المتلقين والمهتمين، ومن ذلك ما ذكره احد الخبراء لجريدة الوطن في عددها الصادر يوم الثامن من هذا الشهر، حيث هو أمر يستحق الوقوف والتأمل. يقول ذلك الخبير حسب ما ذكرته الجريدة (إن الأزمة العالمية لن تضر بمصلحة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المحلية، لأنها مشاريع مدعومة من الدولة والبنوك، بالإضافة إلى بعض الصناديق والشركات الكبرى) اعترف أنني أعدت قراءة هذا التعليق عدة مرات لعلي أجد (قد لا تضر) بدلا من (لن تضر) أو أجد (كثيرا) بعد (لن تضر) بحيث يعطينا هذا الخبير احتمالاً أن الأزمة لن تضر المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو أن ضررها سيكون محدودا، ولكن يبدو أن الخبير متأكد وجازم أن هذا النوع من المشروعات بمعزل من حديد عن آثار هذه الأزمة، أما المصيبة الكبرى فتتمثل في السبب الذي بموجبه يرى هذا الخبير أن هذه المشروعات (لن تتأثر) بالأزمة إذ هي (مشاريع مدعومة من الدولة والبنوك بالإضافة إلى بعض الصناديق والشركات الكبرى). إن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان انه لا احد بمنأى عن تأثير هذه الأزمة، زاد ذلك التأثير أو قل، حتى راعي الأغنام في الصحراء سيطاله أثرها، فكيف بمنشآت تعمل داخل السوق، تبيع، وتشتري، وتتفاعل مع بعضها البعض، ومع المواطنين، والبنوك، وتتأثر بحال السوق، وقوته وسيولته، بل وحالته النفسية، كيف يستطيع احد أن يجزم بعدم تأثر ذلك النوع من المشاريع بهذه الأزمة ويقطع في ذلك. أما الجزء الآخر وهو أن هذه المشاريع مدعومة من الدولة والبنوك ومن الصناديق والشركات الكبرى فهو أمر يستحق الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، إذ تظن أن الخبير يتحدث عن سوق غير سوقنا، وبالذات حينما يشير إلى دعم الشركات الكبرى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أن كل الدراسات التي ناقشت موضوع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في بلادنا تضع مشاكل التمويل في قمة المشاكل التي تعانيها تلك المشروعات، حتى بعد المحاولات والجهود الأخيرة للحد من هذه المشكلة. الخلاصة، أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ستعاني من الأزمة المالية العالمية، مثلما كانت تعاني قبلها أو ربما أشد، وبالذات في الجوانب التمويلية حيث يرتبط الأمر بالبنوك ورغبتها، بل وقدرتها، على تمويل هذا النوع من المشاريع، مما يتطلب من (الخبراء) والمهتمين القراءة المتعمقة للوضع، وعدم تبسيط الأمر أمام الشباب وأصحاب تلك المشروعات.