إذا أردنا استعراض أحداث العام الميلادي الماضي 2008من وجهة نظر سينمائية، فسنضطر لاختصار حكايتنا الملحمية في عدد من النقاط، محاولين قدر المستطاع اقتصاص أهم اللحظات و"المشاهد" من شريط 2008السينمائي، الذي ودَّعنا أمس بمجموعة ضخمة من أهم أفلام موسم الجوائز. @ تبدأ حكايتنا السينمائية بمأساة، ولا يمكن لأي أحد أن يسرد وقائع العام الماضي متجنباً هذه البداية المفجعة. ففي الثاني والعشرين من يناير فجعت هوليوود بخبر وفاة الممثل الأسترالي هيث ليدجر وهو لم يتجاوز الثلاثين نتيجة خلط بعض الأدوية بطريقة خاطئة، وقد خيمت هذه المأساة على المشهد السينمائي طوال العام، وأصبحت حديث كل مهتم بأخبار النجوم والسينما، ابتداء من تلقي خبر وفاته والاشتباه بأن سبب الوفاة هو الانتحار، ومرورا بالهوس الجماهيري لمتابعة أخبار فيلمه الأخير من سلسلة أفلام باتمان "دارك نايت- Knight TheDark الذي لعب فيه دور الجوكر، وانتهاء بحالة الحزن الذي تنتاب كل من شاهد الفيلم بسبب خسارة السينما لمبدع في فترة تألقه. بالإضافة إلى أن خبر وفاة ليدجر يعد من أحد العوامل التي كانت وراء حكاية النجاح الضخمة التي حققها الفيلم "دارك نايت" بتحطيمه أعلى الأرقام القياسية. @ من الممكن أن يكون بوستر فيلم "ذا دارك نايت" الذي أخرجه كريستوفر نولان هو غلاف حكاية 2008السينمائية، فهو الفيلم الأضخم والأهم، والأفضل عند الكثيرين من النقاد والجماهير. هو أعلى فيلم تحقيقا للأرباح لعام 2008، ورابع أعلى فيلم تحقيقا للأرباح على مستوى العالم، وثاني أعلى فيلم على مستوى أمريكا، وحطم الرقم القياسي لأعلى فيلم تحقيقا للأرباح في يومه الأول، وفي الأسبوع الأول، والرقم القياسي لمبيعات "البلو راي" ب 600ألف نسخة في اليوم الأول لنزول الفيلم، وأسرع فيلم يباع إلكترونياً بمعدل 15تذكرة في الثانية. كل هذه الأرقام الضخمة التي يقف ورائها "ذا دارك نايت" تجعله بامتياز البطل السينمائي للعام الماضي، أو على الأقل، ستتذكر الجماهير العام الماضي على أنه عام "الأبطال الخارقون"، ليس لأن "ذا دارك نايت" يمثل ظاهرة فيه، بل لأن انجح أفلام السنة تجارياً كانت أفلام ذات مواضيع وثيمات لأبطال خارقين وحكايات مقتبسة من "كوميكس"، مثل "وونتيد-Wanted" "ايرون مانMan Iron "انكريدبل هلك The incredible Hulk "هيل بوي- Hellboy" "هانكوك" والفيلم الذي طرح قبل أسبوع من الآن "ذا سبيرت- Spirit The". @ وإذا ما أردنا أن نقرأ العام السينمائي الماضي من وجهة نظر مغايرة بعض الشيء عن لغة الأرقام والحسابات التجارية، فلا يوجد داخل نسختنا الأمريكية ما يثير الاهتمام سوى خبر انتهاء إضراب الكتاب في فبراير الماضي الذي امتد لثلاثة أشهر، من نوفمبر 2007إلى فبراير 2008، وتلقي الصناعة السينمائية الأمريكية نتائج هذا الإضراب التي كانت واضحة لتغيير جدولة نزول أفلام ضخمة كفيلم جيمس بوند الأخير وتأجيل عرض هاري بوتر للعام القادم وتأخير عرض ديفيد فينشر وبراين سينغر إلى نهاية 2008م. @ ومع أن الإضراب قد جعل الاستوديوهات الكبرى تفكر باحتمالية تقديم دعم أكبر لفروعها الصغيرة المعنية بالسينما المستقلة، إنتاجا وتسويقاً، إلا أن ما حدث هو العكس في عام سينمائي يعد الأسوأ على السينما المستقلة الأمريكية التي زاد الانهيار المالي الأخير الضغوط عليها أكثر وأكثر مما جعل بعض الشركات الكبيرة تفكر بشكل جدي في بيع أو التخلص من استوديوهاتها المستقلة. @ وإذا ما وسعنا عدسة الرؤية قليلاً، لنتمكن من مشاهدة العالم الخارجي ضمن شريط 2008السينمائي بالابتعاد بعض الشيء عن أمريكا ونجومها، فأول ما سنبدأ الحديث به هو ما فعله مهرجان كان السينمائي من إعادة اكتشاف لسينما إيطاليا الحديثة بتتويجه فيلمين إيطاليين، "غومورا" بثاني أكبر جائزة في المهرجان جائزة المهرجان الكبرى، و"إيل ديفو" بلجنة التحكيم، مما دعا الجميع للحديث عما إذا كان المهرجان الفرنسي ينوي بالفعل مباركة موجة سينمائية حديثة قد تفجر طاقات سينمائية شابة في أوربا، بعدما كان المهرجان قد انتهى لتوه من مباركة مجموعة من صناع الأفلام في رومانيا. ومن بين ما قدمه مهرجان كان العام الماضي من أفلام شهيرة جدا يجب التوقف عندها، هي فيلم التركي نوري بيلج سيلان "ثلاثة قرود" والإسرائيلي "الرقص مع بشير" والأيرلندي "هنغر" والفرنسي الفائز بالسعفة الذهبية "ذا كلاس- Class The وبعد ما انتهى المهرجان وعبر البريطانيون عن غضبهم تجاه تجاهل المهرجان لسينماهم، غيرة من الإيطاليين ربما، أعلن مهرجان البندقية السينمائي أفلامه التي شملت أربعة أفلام إيطالية في المسابقة الرسمية فقط، رغبة منه في تكريس ما بدأ به مهرجان كان السينمائي، إلا أن محاولة كهذه لم تقابل بانتقاد شديد اللهجة من الصحافة البريطانية فقط، بل حتى من الألمانيين أنفسهم الذين رأوا كما اتفق معهم العالم أجمع، أن أفلام المسابقة الرسمية تعد الأسوأ على مدار تاريخ المهرجان. والملاحظ في أفلام البندقية لهذا العام هو خلوها من الأفلام الأوسكارية التي اعتاد المهرجان على تقديمها في الدورات الماضية، لكن المهرجان تفاجأ بأن اغلب الاستوديوهات الأمريكية قد أجلت إطلاق أضخم أفلامها إلى وقت متأخر هذا العام، وقد ضمت المسابقة الرسمية أيضا أربعة أفلام من اليابان لشهرة مهرجان البندقية أيضا بتقديم جوائزه لمخرجين آسيويين. @ وعن ما قدمته السينما الأمريكية في الفترة ما بعد الصيف وحتى الأسبوع الماضي من أفلام، حتى ولو اختلفت حكاياتها ومواضيعها، إلا أننا يمكن أن نطلق عليها أفلاماً سياسية، إلى درجة أن مواضيع الحرب العالمية الثانية فقط تم تغطيتها في أكثر من فيلم مثل فيلم "فالكاير- Valkyrie" الذي يصور النجم توم كروز على أنه قائد نازي يخطط لاغتيال الزعيم هتلر، وفيلم المخرج سبايك لي الأخير "معجزة في سانت ان" وفيلم إيدوارد زيوك مع النجم دانييل كريغ "ديفياس" و"ذا بوي ان ستريبد بيجاما".