تنعم المملكة بفضل الله بوجود عدد كبير من القوانين أو الأنظمة الضابطة لشتى مناحي الحياة، بل حتى الحكم والبيعة لهما أنظمة، إلا أن ميزانية الدولة ليس لها نظام، بل يحكم عمليات الميزانية عدد قليل من المراسيم الملكية، ويترك الباقي لاجتهادات وزارة المالية. أما في الدول المتطورة إداريا، فنجد أن ميزانياتها تخضع لمراجعة دقيقة من قبل جهة خلاف الجهة التي تعد الميزانية، وفق قانون أساسي وقوانين أخرى تابعة أو ملحقة تحكم كافة عمليات الميزانية. لو أخذنا الدول الغربية، على سبيل المثال، نجد أن عمليات الميزانية المعروفة باسم إجراءات الميزانية وصياغتها وضبطها وإجازتها ومراقبتها ومتابعة تنفيذها تخضع لقانون أساسي عبارة عن إطار هيكلي لصياغة الميزانية. وهناك قوانين أخرى تفصيلية خاصة بالميزانية. ويفرض القانون على من يعد الميزانية أن يرسل مسودة الميزانية إلى برلمان الدولة، ثم يتولى مكتب فني في البرلمان دراسة ومراجعة مسودة الميزانية، وعادة تعمل تعديلات كبيرة عليها. هناك حاجة ماسة إلى إصدار نظام للميزانية، ذلك أنه من المهم جدا تقوية الإطار القانوني الذي يبنى عليه أسلوب عمل الميزانية وإدارة مالية الحكومة، بما في ذلك النظم المحاسبية والرقابية. ومن المصلحة العامة وجود قانون أساسي يتناول كافة جوانب الإدارة المالية الحكومية. يفترض في قانون الميزانية أن ينص على قيام وزارة المالية بتنسيق طلبات الأجهزة الحكومية، ورفع مسودة ميزانية شاملة إلى المجلس الاقتصادي الأعلى. ويجب أن تحوي مسودة الميزانية على معلومات وتفصيلات يقررها النظام، مثل رفع المسودة قبل بدء العمل بالميزانية الجديدة بكذا من الأسابيع أو الأشهر، حتى يتسنى للجهات صاحبة الاختصاص بدراسة الميزانية واعتمادها وقت كاف لدراسة ومراجعة الميزانية. ولهذا الغرض يفترض أن يتوفر في أمانة المجلس الاقتصادي الأعلى عدد من المتخصصين والمستشارين ذوي القدرة والكفاءة لدراسة ومراجعة الميزانية. وقد يتطلب الأمر تطوير هيئة الخبراء لتضم خبراء من تخصصات مختلفة. والحقيقة أن تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى نص على اختصاصه بدراسة الميزانية. ولا يمكن للمجلس أن يقوم بذلك بدون توفر موارد بشرية مؤهلة للدراسة. كما ينبغي أن تعرض الميزانية على مجلس الشورى ويسمع لمرئياته حولها، فإن المولى سبحانه مدح المؤمنين بالتشاور "وأمرهم شورى بينهم"، وهو عام يشمل الأمور المالية. كما ينبغي أن ينص قانون الميزانية على إصدار تقرير مفصل عن ميزانية كل عام مالي منصرم، وينبغي أن ينص على أنه يصدر بتعاون وزارتي المالية والاقتصاد، ويعرض على مجالس الوزراء والاقتصادي والشورى. وبالله التوفيق.. * دكتوراه في الاقتصاد.