اتفق مختصون على أن الإعلام العربي لم يواكب الحدث العالمي المتمثل في أزمة الائتمان العالمية التي تطورت لتتحول إلى أزمة مال ضربت جسد الاقتصاد العالمي وانهكته، من خلال استشراف الأحداث الراهنة من خلال ادوات التحليل والمنطق، ويرمي الكثيرون من المتابعين لومهم على الأدوات الاعلامية في تعجلها في نقل الأخبار وتضخيمها أو البقاء مغردة خارج السرب. ويرى الكاتب ورئيس القسم الاقتصادي في صحيفة "إيلاف" خالد الزومان أن الإعلام العربي فشل بالفعل في استشراف المستقبل الذي تجلى واقعاً في الأزمة العالمية المتفاقمة في الوقت الراهن، من خلال استعمال أدوات التحليل والمنطق المتوفرة له على الرغم من توفر أسماء اقتصادية ذات باع طويل خاصة في مجال الكتابة سواء من اكاديميين او باحثين التي اختصرت عملها على تناول الحدث في وقته أو بمعنى أصح أخذ جانب رد الفعل دون روح المبادرة، وهو ما يسقط إعلامنا أمام أجهزة إعلام في الشرق أو الغرب. وتابع الزومان إن المشكلة لا تقف عند عدم دراسة الوضع الراهن فقط بل تتجاوز ذلك إلى نقل تطمينات كبيرة لمسئولين على المستوى المحلي وهي مشكوكة حقيقة بالنظر إلى تنفيذ قرارات عكس التصريحات التي تسبقها وهو الاعلام الموجه، إضافة إلى الغياب الشبه الكامل على الصعيدين العربي والاقليمي، والتركيز على نقل المشكلة عالمياً وتضخيمها دون التطرق لانعكاساتها على الاقتصاد العربي بطرح متخصص ذي درجة عالية من الشفافية أو إيجاد الحلول البديلة المقنعة أو وضع الدروس للأجيال المقبلة. وأضاف الكاتب إنه لم تعد المنافسة اقتصاديا على المنتج الرئيس فحسب بل ان المنافسة باتت اكثر ضراوة في الخدمات المصاحبة لذلك المنتج. هذا الحال ينسحب مباشرة على الاعلام الاقتصادي، فكثير من الجهات والقطاعات الاعلامية تستطيع الحصول على الخبر بيسر في كثير من الاحوال، لكن التحدي الاكبر يكمن في كيفية المعالجة الاعلامية التي تتقاطع مع ذاتها مع عوامل عديدة تحدد قدرة الوسيلة الاعلامي على تلبية متطلبات المتلقي، ومنها محاور تقنية وإدارية ، لكن عنصري الصدقية والوقت هما أحد أهم العوامل في تفعيل العلاقة بين الجهة الاعلامية والمتلقي. ويقول مدير إدارة المذيعين في "قناة الاخبارية" جمال المعيقل إنه قبل الأزمة كان التنظير أساسا للتناول ، فإعلامنا العربي يفتقر إلى المعلومة التي غالبا ما تكون غائبة من خلال تحفظ المصادر من جهة وضعف المصادر أو غيابها من جهة أخرى بالإضافة إلى أن الإعلام العربي بقي يغرد خارج السرب طوال سنتين إلى أن شهد التهام الفقاعة لكل أسواق العالم ، من ناحية أخرى تناول الإعلام العربي الأزمة المالية وأصبح يسوق للاقتصاد الإسلامي كأحد الحلول البديلة والجوهرية لهذه الأزمة وكأن إعلامنا العربي كان يجهل أنه يملك نظاما اقتصاديا أدق بكثير مما يروج له الرأسماليون. ويضيف المعيقل أنه بعد حدوث الأزمة بقي أعلامنا يحاول فهم ما حصل خارجيا ليتحول بعدها ليحاول فهم التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على اقتصاديات الدول وتحديدا النفطية محاولا إرسال رسائل ايجابية إلى الجمهور بأننا بعيدون عن الخطر مع أن أسئلة كثيرة بقيت دون إجابة : كيف يتناول الإعلام العربي التأثيرات الداخلية بدون وجود معلومة واضحة وأكيدة ؟ وسط السياسات المتحفظة لاقتصاديات الدول العربية هل يمكن الجزم بتأثير مباشر أو غير مباشر على تلك الدول ؟ هل استطاع الإعلام العربي إيصال رسالته بعيدا عن النخبوية ؟ لماذا نروج للاقتصاد الإسلامي كحل بديل وليس كنظام اقتصادي مصرفي متكامل ؟ استثمارات البنوك المركزية ماذا عنها ؟ بدائل الاستثمار في الأسواق المالية بالنسبة للحكومات ؟. من جانبه يقول رئيس تحرير مجلة الاقتصاد اليوم وأمين سر لجنة الإعلام في "غرفة تجارة وصناعة أبوظبي"، وكبير مستشاري محطة (سي إن بي سي عربية) محمد كركوتي "لم يستطع الإعلام الاقتصادي العربي أن يحقق قفزات تاريخية في تعاطيه مع الأزمة الاقتصادية التاريخية"لكن هذا لا يعني أن هذا الإعلام كان غائبا عن هذه الأزمة. المشكلة الرئيسية تكمن في أن الإعلام الاقتصادي العربي لا يزال دون مرحلة النضوج، لأسباب عديدة، في مقدمتها: النقص الواضح في الكوادر المتخصصة، والتعاطي مع الاقتصاد كقطاع يهم النخبة فقط، فضلا عن تردد أصحاب القرار الاقتصادي في طرح المشاكل التي ترتبط بالاقتصاد بصورة واضحة وبالأرقام. يضاف إلى ذلك، أن المساحات الواسعة للاقتصاد في الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيونية، تسبب بضغوطات كبيرة على القائمين على هذه المؤسسات الإعلامية، لملء المساحات بما يتوفر من محللين ليسوا بمستوى المادة التي يتحدثون عنها، وبالتأكيد ليسوا بمستوى الحدث الضخم الذي أفرزته الأزمة الاقتصادية العالمية". ويضيف أنه في الوقت الذي نرى فيه وسائل الإعلام العربية المتخصصة وغير المتخصصة، تركز – مثلا- على أسواق الأسهم والسندات في تعاطيها مع الأزمة العالمية، نرى شحا واضحا في التركيز على آثار هذه الأزمة على الفرد العربي. بل أن محللين ظهروا على عدد من شاشات التلفزيون العربية، كانوا يؤكدون على أن الأزمة لن تنال من الاقتصاد العربي، في الوقت الذي كانت فيه هذه الأزمة تقترب من المنطقة العربية، بل وبدأت تلتهم أجزاء من مؤسسات كبيرة، كانت حتى أشهر قليلة تعطي الانطباع على أنها مؤسسات لايمكن أن تقهر. ويؤكد كركوتي أن هناك مؤسسات إعلامية عربية، عرفت كيف تتعاطى مع الأزمة العالمية، لكنها قليلة جدا، وأصبحت ضائعة في زحمة ما كانت تقدمه مؤسسات أخرى في هذا المجال، وكله لا يتناول العمق، بل يظل على السطح. الأزمة الاقتصادية العالمية، يجب أن توفر للإعلام العربي، الفرصة لإعادة صياغة الجانب الاقتصادي منه، لأنها – أي الأزمة- حافلة بالمادة الصحافية الغنية، على المدى البعيد. وأعتقد أن يتوجب على وسائل الإعلام – لاسيما المتخصصة منها – أن تعيد هيكلة التعاطي مع الاقتصاد وفق الأزمة الراهنة، وأن تهتم بالفرد – المستهلك والمتقاعد والمودع ومالك بوالص التأمين، والمقترض إلى آخره – لأنه يشكل عماد الاقتصاد، ويشكل في الوقت نفسه الوقود لأية أزمة كانت. كما يتوجب على وسائل الإعلام "غربلة" المحللين الذين يقدمون تحليلات مضللة، ليس لأنهم يسعون لذلك، بل لأنهم لا يمتلكون القدرة على طرح تحليلي واقعي.