علاقتنا مع الزمن علاقة بائسة إلى حد الرثاء والشفقة. نتعاطى مع الزمن، ونتعامل معه بصورة عجيبة فيها الاتكالية، والعجز، والهروب، والاستقالة من مبادرات صنع مستقبلاتنا، وتحقيق طموحاتنا، ووضع رؤانا، واقتحام العصر بأدوات الرغبة في الإنجاز، والخلق، والإبداع، وتخطي المعوقات التي تسربل عملية التحديث والتطوير. والانعتاق من كل ما يكون أوجاعاً، وداءات، وتفتت تقود إلى هزائم متلاحقة، وانكسارات متنامية في مسيرتنا الحياتية، والتنموية، والفكرية، والتعليمية والاستشرافية. اتكاليون. فنكلف الزمن ليقوم بحل مشكلاتنا. عاجزون. فنجعل الزمن يتطوع بتقديم الحلول، والخطط، والبرامج، والأهداف، والغايات التي تصنع تغيير أنماط الحياة، ويدخلنا إلى عوالم العصر، ومنجزه، وما يثريه للبشرية من وعي، وتدريب، وتعليم حقيقي. هاربون، من تحمل أي مسؤولية في التغيير، وطرائق الإنتاج، والعطاء، والقضاء على معوقات أن نكون مجتمعاً خلاقاً، مبدعاً، مشاركاً، يحقق وثبات ريادية في الفهم، والاستيعاب، والتحرر من مفاهيم حياتية بالية، وعقيمة لم تعد تتماشى وثورة التطور الإنساني، والدخول إلى دائرة صناعة التاريخ والتأثير. كل إحباط، أو انكسار، أو عقم في العقل نحيله إلى الزمن. قيادة المرأة للسيارة وهي ضرورة ضمن ضوابط، نتركها للزمن..!؟ وجود مسرح توجيهي، حضاري يسهم في التثقيف، وفضح السلبيات، وترسيخ مثل وقيم وأخلاق نتمناها، ويقضي على تسيّب الشباب، وسأمهم من الفراغ، نتركه للزمن..!؟ وجود صالات سينما في مدننا، وأريافنا تستقطب الشباب من العبث، والضياع، والقلق، وتقدم لهم توعية، وتثقيفاً، وتنقلهم إلى تفكير يصب في خانة نمو، وتحصين المجتمع، نتركه للزمن..!؟ هذا في الشأن الاجتماعي، وغير هذا مما يلامس الشأن الاجتماعي. أما في الفضاء العام، وما هو يعتبر قضايا انتقالية تعبر بنا إلى حالة الانفتاح، والتطور، والحداثة، والتعلم من تأثيرات تراكمات سلبيات الماضي بمفاهيمه، والعبور إلى صناعة واقع جديد حداثي يعتمد مفاهيم العصر والعولمة ويوظف العقل من أجل التطور، وتكريس مفاهيم تنويرية في نسغ المجتمع وتوجهاته، وتطلعاته. فهذه كلها مؤجلة وموكلة للزمن. ماذا يصنع لنا الزمن..؟! ماذا سيقدم لنا..؟! أليس في هذا كله استقالة للعقل، والارتهان للزمن الذي سيراكم أوجاعنا، وهزائمنا، ويجعل كرة الثلج تكبر، والنوافذ دائماً مغلقة، والعالم كله يتقدم، وينجز، ويقدم للبشرية كل أنماط المعرفة، والتنوير، ونحن نحاسب الزمن، ونلومه لأنه لم يفعل لنا شيئاً. أيها الزمن، أسرءنا أنفسنا لك، ولن تفعل لنا شيئاً، لكنه الهروب..!؟