الإيدز مرض العصر.. أو القاتل الصامت كما يقال.. بات وحشاً يُخشى ويُتحرز منه.. مرض لا يرحم ولا يملك صاحبه خط رجعه.. مرض لا يفرق بين كبير وصغير وهنا يكمن الوجع.. فأعداد الأطفال المهددين بالموت العاجل المحقق يزداد في كل ساعة تمر.. والأيدز فيروس يهاجم خلايا الجهاز المناعي المسؤولة عن الدفاع عن الجسم ضد أنواع العدوى المختلفة، وبالتالي يفقد الإنسان قدرته على مقاومة الجراثيم المعدية، ويسمى "فيروس نقص المناعة البشري" Human Immune-deficiency Virus أو اختصاراً HIV والاسم العلمي لمرض الإيدز هو "متلازمة العوز المناعي المكتسب" أو "متلازمة نقص المناعة المكتسب" Acquired Immune Deficiency Syndrome ويختصرب AIDS. ووفقاً لأحدث تقرير صدر عام 2007م عن برنامج الأممالمتحدة المشترك لمكافحة الأيدز (UNAIDS) فإن أكثر من 33مليون شخص يعانون من هذا المرض، منهم 2.5مليون طفل! توفي منهم في ذلك العام فقط مايزيد عبى 330.000طفل! ويتوقع أنه بحلول عام 2010سيصبح حوالي 18مليون طفل أيتاماً نتيجة لإصابة أحد الوالدين أو كليهما بهذا المرض! المشكلة تكمن في أن ثلث الإصابات الجديدة ووفيات الأيدز التي يتم تسجيلها تحدث في القارة السمراء الفقيرة، تحديداً دول افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يجد المرض بيئة صالحة لانتشاره فالفقر والجوع والجهل تجتمع لتؤازر وجوده! و يمكن تحديد ثلاثة أسباب لإصابة الاطفال بهذا الفيروس: @ انتقال الفيروس من الأم المصابة لجنينها إما أثناء الحمل (عن طريق المشيمة) أو خلال الولادة أو عن طريق الرضاعة الطبيعية. @ نقل الدم ومشتقاته الملوثة، وقد كان من أهم وأسرع وسائل انتقال الفايروس في أوائل الثمانينيات إبان اكتشاف أولى الحالات، ولكن تكاد تكون هذه الوسيلة لنقل الفيروس الآن معدومة في ظل توافر وسائل دقيقه للكشف عن وجود الفايروس في الدم . @ إدمان المخدرات ونقل الأعضاء من متبرع مصاب.. وهي قليلة جداً في الأطفال بعكس البالغين . وكان أكثر من 2.1مليون طفل دون الخامسة عشرة من العمر من المصابين بفيروس الإيدز في عام 2007قد أصيبوا بالعدوى مباشرة من الأم. وما يزيد من خوف القائمين على محاربة هذا المرض هو أن 60% من المصابين بهذا الداء في أفريقيا هم من النساء وغالبيتهم في سن الإنجاب وبالتالي فإن فرص انتقال الفايروس إلى أطفالهم ستخلق أعداداً مفزعه من الضحايا . ومن الجميل ذكره أن حفظنا للإسلام قاد إلى حفظ مجتمعنا.. حيث ما تزال وبحمد الله أعداد المصابين بالمرض في مجتمعنا السعودي محدودة ومحصورة، و معظم حالات الأطفال المصابة جاءت نتيجة إصابة الأم التي أنتقل إليها الفايروس من زوجها المصاب.. وبالتالي أصيب الطفل إما أثناء الحمل أو خلال الولادة. لكن المبشر أنه تم مؤخراً إدراج الفحص الخاص بهذا الفايروس ضمن فحوص ما قبل الزواج الواجب إجراؤها. و تحليل الأيدزهو تحليل يمكن لأي شخص أن يجريه في أي مرفق صحي. يعتمد هذا التحليل على وجود الأجسام المضادة للفايروس في الدم ويعطي نتيجة فعالة بعد التعرض للعدوى ب6- 12أسبوعا تقريبا. وفي حالة إيجابية هذا التحليل يتم عمل فحص تأكيدي يسمى وسترن بلوت Western Blot وتكون نتيجته قاطعة. و تختلف أعراض الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة بإختلاف مرحلة المرض التي قد تكون على مدى أشهر أو سنوات وهي الفترة التي يحتاجها الفايروس للقضاء على الجهاز المناعي في جسم الإنسان، و يمكن تحديد نوعين سريريين لمرض الأيدز عند الأطفال . النوع الأول:تظهر فيه الأعراض مبكراً خلال السنة الأولى من العمر وتكون نسبة الوفيات فيه عالية جداً. النوع الثاني : ويكون بطيء التقدم وتظهر الأعراض في حدود - 7 5سنوات وهذا النوع أكثر استجابة للأدوية المثبطة للفايروس ونسبة الوفيات فيه أقل من الأول . و الأعراض السريرية الملاحظة تتلخص في: فقدان الوزن، نقص النمو، ارتفاع درجة الحرارة، إسهال مزمن، خمول عام، تورم الغدد اللمفاوية، و التهابات متكررة بالإضافة إلى الإصابة بالجراثيم الانتهازية التي لا تسبب في العادة أضرار بالشخص السليم مثل عدوى الجهاز التنفسي، الهضمي، أو الجهاز العصبي . ورغم أن الأبحاث والدراسات قدمت معلومات وافيه عن أسباب الإصابة بهذا المرض وأعراضه إلا أن الشفاء التام أمر لم تستطع تحقيقه خاصة وأن الفايروس يغير من تركيبته بصفة مستمرة وذلك يصعّب من استنباط علاج فعال ضده!. فكل ماتم التوصل إليه هو مجموعة من الأدوية والمضادات التي ترتكز على مبدأ تخفيض نسبة الفايروس في جسم المصاب وبالتالي تقليل تأثيره على الجهاز المناعي الذي يقود إلى خفض نسب الوفيات السريعة . و ينصح باستخدام ثلاث أدوية في وقت واحد لرفع المناعة ومحاربة المرض، كما اثبتت الدراسات الحديثة أن استخدام هذه الأدوية في مرحلة مبكرة من المرض -خاصة في الأسابيع الإثني عشر الأولى من الحياة - قد ساهم في التقليل من نسب الوفيات عند الأطفال المصابين إلى 76% . في حين أن خطر عدم تلقي الأطفال المصابين بنقص المناعة المكتسبة للأدوية اللازمة قد يؤدي إلى وفاة 50% منهم خلال السنتين الأوليين من العمر! ومن المهم جداً الإشارة إلى أن الاكتشاف المبكر لوجود المرض يحدث فرقاً كبيراً وتقدماً ملحوظاً في محاربته وإضعاف تأثيره ومنع تقدمه . كما أنه يساعد الأطباء المختصين في توفير الدواء اللازم للأم الحامل المصابة بالمرض والذي يساهم بعد مشيئة الله في منع أو تقليل فرص إصابة الجنين أو المولود إلى أقل من 2%.. كما أن إجراء العملية القيصرية في حالات محدودة والامتناع عن الرضاعة الطبيعية من الأم المصابة وإعطاء المولود بعض الأدوية الواقية لفترة معينة بعد الولادة يساهم بشكل ناجح في خلق أطفال أصحاء غير مصابين رغم إصابة الأم . و تواجه منظمات الصحة العالمية تحديات كبيرة في محاربة المرض تتلخص في أربع مجالات رئيسيه هي: منع انتقال الفايروس من الأمهات إلى الأطفال، توفير العلاج للأطفال، منع الإصابة بين المراهقين والشباب، وحماية ودعم الأطفال المتأثرين بالإيدز. و تعطى الأولوية للاهتمام بصحة الأم الحامل لأن من شأن ذلك أن يحدد صحة العائلة والأطفال حيث يقول أحد الخبراء في مجال الايدز: "لا تعد الوقاية من انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل فعالة فحسب، بل إنها أيضاً حق من حقوق الإنسان". كما أن التوعية والتعليم وتوفير خدمات صحية جيده سيحدث فرقاً بالتأكيد في أعداد المصابين وعلاجهم . و بالرغم من وجود الأمل وتضافر الجهود إلا أن الشوط مازال طويلاً قبل أن يتحقق الوعد بالحصول على جيل خالٍ من الإيدز .. وقانا الله وإياكم شر هذا الوباء ونحمد الله الذي هدانا لدين الاسلام . @ أستاذ مساعد- كلية الطب - جامعة الملك سعود استشارية الأمراض المعدية ومكافحة العدوى عند الأطفال - مستشفى الملك خالد الجامعي