@@ فقد كل العرب.. @@ وليس الأشقاء المصريون فقط.. منذ أيام.. راهب الكتاب المطبوع.. وصاحب أشهر مكتبة عربية "المعلم مدبولي"..بعد عمر طويل ( 70عاما) قضاها في خدمة الثقافة ونشر المعرفة.. وهو الذي كان يعيش حياة بسيطة.. ومتواضعة جعلته في عداد (النساك) و(الرهبان).. @@ لقد حزنت كغيري.. على هذا الرجل.. الإنسان.. الرمز. @@ فأنا لا أتصور ان زيارة القاهرة دون رؤيته. دون التحاور معه ودون الوقوف أمامه.. والإعجاب بحركته داخل مكتبته الأم.. قبل أن تفتتح عدة فروع لها في ارجاء القاهرة.. بل في أنحاء عقولنا.. ونفوسنا.. ومشاعرنا.. @@ لا أتصور أن زيارة القاهرة.. ستكون في المرة القادمة لها نفس الطعم.. نفس النكهة.. نفس الروعة بعد أن غادرنا الرجل إلى بارئه الأعلى.. @@ كم هو عظيم هذا الرجل البسيط في مظهره.. الفخم الضخم.. في وعيه.. وفي إيمانه بحرية الفكر.. ورسالة النشر.. ومسؤولية الكلمة. @@ لقد كان يصطحبني معه إلى سراديب مظلمة خلف وأسفل مكتبته الشهيرة ليطلعني على بعض الكتب السياسية والدينية والثقافية وكتب المذكرات الممنوعة.. ويمكنني من ابتياعها.. وكله سعادة وكله انشراح.. وكله تواضع.. @@ إن ايمان الرجل بالحرية الفكرية.. @@ وتصديه لعملية النشر المعقدة.. @@ وجرأته واقدامه على نشر كتب الإشكاليات.. يؤكد أن الوعي أعظم من الثقافة.. وأن الإيمان بالأهداف يتجاوز حدود الطاقة والاحتمال.. @@ فالرجل لم يتردد في نشر أي كتاب يضيف الى الثقافة العربية جديدا.. وإن اختلف معه الكثيرون.. وإن ناصبه العداء كثيرون.. وإن عرّضه ذلك للمساءلة كثيراً.. @@ فهو بعقليته المتفتحة.. رغم قرويته.. @@ وهو بأناقته العقلية.. رغم بساطة ملبسه... وبثوبه الفضفاض.. وصدره المفتوح.. وشعيرات رأسه وذقنه البيضاء. @@ هو.. كان رائعا.. وجميلا.. لا تملك إلا أن تحبه وتحترمه وتعجب به في آن معاً.. @@ ولست أدري.. كيف سيقدر لي أن أزور القاهرة في المرة القادمة.. دون أن أرى "مدبولي" فقد اقترنت كل رحلة لي إلى عاصمة المعز... بزيارة الرجل.. والاستماع إلى كلماته.. إلى كلمات (الصعيدي) الأصيل.. @@ ولست أدري من سيأخذ بيدي إلى دهاليز المكتبة العتيقة ليريني نفائس الكتب.. وجديد المطبوعات المحظورة.. فالرجل شيء آخر.. شيء لا يمكن نسيانه.. لا يمكن تعويضه.. لا يمكن أن ترى مصر.. ولا تراه.. @@ لقد رحل "مدبولي".. @@ لكن ترك وراءه آلاف.. بل ملايين المثقفين المدينين له.. المحبين له.. العاشقين لبساطته.. لفرادة تعامله مع محبي الكتاب وعشاق المعرفة.. @@ كما ترك وراءه اسماً.. وصورة ذهنية لا يمكن أن تمحى.. لا يمكن أن تنسى.. فالرجل كالرمز الذي لا يمكن أن يزول من الذاكرة بعد أن حفره فيها بكفاحه.. وطيبته.. ووعيه الذي يفوق وعي الكثيرين من المثقفين.. والمتعلمين.. والأساطنة.. @@ ولا حول ولا قوة إلا بالله.. @@@ @@ (الرائعون.. لا يغادرون عقولنا ومشاعرنا.. وإن غابوا عنا).