كان اغتيال مسلحي طالبان لوالده الدافع الذي أجبر الفتى جاهد ( 13عاما) على الفرار من منزله في أفغانستان. لكن رحلته الطويلة المحفوفة بالمخاطر للحصول على حق اللجوء في أوروبا أدت به بجانب آلاف آخرين إلى البقاء لعدة شهور في أحد المخيمات المؤقتة بمدينة باتراس الساحلية غربي اليونان. وبات مستقبل الفتى الأفغاني أسيرا بسبب إهمال الحكومة اليونانية وسياسات الهجرة المتشددة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي. وتزايد بناء مخيمات على غرار مخيم باتراس، حيث تصنع أكواخ من بقايا القمامة والكرتون (الورق المقوى) والبلاستيك، في الأعوام القليلة الماضية لتستضيف مهاجرين من وسط آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. ويقوم المهاجرون بمحاولات لا حصر لها لاستقلال أي زورق أو مركب متجه صوب إيطاليا معتقدين بأن فرصهم في الحصول على حق اللجوء وإيجاد فرصة عمل هناك ستكون أفضل. ويقول المسؤولون في مدينة باتراس إن عدد المهاجرين الذين يعيشون في المخيمات المؤقتة قرب الميناء في انتظار أي فرصة تلوح للتسلل إلى شاحنة ما ومنها إلى أي سفينة يربو على أربعة آلاف شخص حاليا وإن المخيمات لم يعد بالإمكان السيطرة عليها. ويشيرون إلى أن اللاجئين ممنوعون من البقاء في اليونان فيما لا يمكنهم مغادرتها في الوقت نفسه أيضا. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن الوضع يزداد سوءا ويعكس الاضطراب المتزايد داخل الاتحاد الأوربي وسياسته حيال المهاجرين. ويقول جاهد وسط صف من المخيمات القذرة يطلق عليها المقيمون في باتراس اسم الأكواخ الأفغانية: "ظننت أن الأسوأ قد انتهى بعد أن سافرت سيرا على الأقدام وبالحافلة عبر إيران وتركيا ثم الإبحار في قارب صغير وسط بحار متلاطمة الأمواج حتى وصلت إلى اليونان". وأردف جاهد وهو يخرج أمر طرد خلال 30يوما مكتوب باللغة اليونانية: "الآن بعد أن وجدت نفسي عالقا هنا لمدة ستة أشهر، أشعر أن هذا هو الكابوس الحقيقي لأنني محاصر - ولا أدري أين أذهب؟ لقد صارت مسألة التسلل إلى شاحنة متجهة إلى إيطاليا صعبة للغاية ومن صادفهم حسن الحظ غالبا ما يتم إلقاء القبض عليهم في إيطاليا ويتم إعادتهم إلى هنا". وأصبحت اليونان بفضل موقعها الذي يمثل مفترق طرق لثلاث قارات هي نقطة العبور الأساسية للمهاجرين الذين يسعون لدخول الاتحاد الأوروبي حيث سجلت إحصائيات العام الماضي تزايدا في عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتوافدون على البلاد. ويقدر الكسندروس زافوس المسؤول بمعهد هيلينك لسياسة الهجرة عدد المهاجرين الذين سيتم القبض عليهم خلال محاولة التسلل إلى اليونان بنحو 120ألف مهاجر عام 2008أي أكثر من خمسة أضعاف الأعداد التي سجلت قبل خمس سنوات. وقال زافوس: "أعتقد أن الاتحاد الأوروبي بدأ يعي حجم المشكلة في السنوات الأخيرة.. هؤلاء المهاجرون لا يأتون إلى اليونان بغرض البقاء فيها لأن هدفهم الحقيقي هو الذهاب لأي مكان آخر في أوروبا وأن يحدث هذا في وقت ما". وتتشارك في هذه المشكلة كل الجزر اليونانية المتاخمة للحدود مع تركيا. ويقول ستيليانوس ثانوس نائب عمدة جزيرة ساموس إن أكثر من ثمانية آلاف مهاجر تمكنوا من التسلل للجزيرة الصغيرة عام 2008مشيرا إلى أن مركز احتجاز المهاجرين الجديد عادة ما يكتظ بأكثر من ضعف سعته البالغة 300شخص. ومن ناحيتهم، أغلق المسؤولون في جزيرتي بطمس وأجاثونيسي المجاورة موانئهما بدعوى أن أعداد المهاجرين الذين يتركهم المهربون تجاوز أعداد السكان الدائمين بهما. وتتصاعد حدة التوترات أيضا بين الجماعات اليمينية وأعداد المهاجرين المتزايدة وسط أثينا. ويقول سكان منطقة أجوس بنتليموناس الواقعة وسط العاصمة اليونانية إنهم يخشون مغادرة منازلهم بسبب ارتفاع معدل الجريمة. ورغم توقيع اتفاق ثنائي بين أثيناوأنقرة عام 2003يقضي بإلزام أنقرة بقبول عودة كل المهاجرين من اليونان إلا أن نسبة ضئيلة فقط هي التي تتم إعادتها. ويقول الطبيب نيكوس مولكيوتس إن عدم توافر المياه النظيفة والكهرباء أدى إلى انتشار الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي في المخيم. وهناك حالة أخرى، فهذا أحمد الذي جاء من مسقط رأسه مدينة هيرات قبل ستة أشهر بعد أن دفع ثلاثة آلاف دولار لقاء رحلة التسلل المضنية. يقول أحمد: "لا أريد شيئا سوى وظيفة وأوراقا رسمية ومنزلا كي أستطيع العيش.. لا أريد شيئا آخر". ووجهت جماعات المدافعين عن اللاجئين وجماعات حقوق الإنسان مثل "هيومان رايتس ووتش" ومقرها نيويورك انتقادات لاذعة لليونان على خلفية معاملتها للمهاجرين متهمة إياها بترحيل المهاجرين بشكل غير قانوني وأنها غالبا ما تضللهم بشأن حقهم في التقدم لطلب للحصول على حق اللجوء. ولم تتعد نسبة الذين نالوا حق اللجوء من الحكومة اليونانية 1بالمئة من إجمالي 25ألف مهاجر تقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء وهي نسبة أدنى بكثير مقارنة بالنسبة التي وافقت عليها ألمانيا وبلغت 18بالمئة وإيطاليا 11بالمئة وأسبانيا 4بالمئة. يذكر أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين دعت في نيسان - أبريل الماضي دول الاتحاد الأوروبي إلى التوقف عن إعادة المهاجرين إلى اليونان قائلة إن سجل أثينا في مجال التعامل مع طالبي حق اللجوء فقير للغاية. وتنص قواعد اللجوء بالاتحاد الأوروبي على ضرورة تقدم اللاجئين بطلبات للحصول على حق اللجوء في البلد التي دخلوا منه إلى التكتل. وتقول المفوضية التابعة للأمم المتحدة إن طالبي حق اللجوء الذين يصلون إلى اليونان غالبا ما يحرمون من حقوقهم الأساسية ومنها توفير المترجمين والدعم القانوني علاوة على أن ظروف مراكز احتجاز المهاجرين مفزعة. وكانت جماعة أطباء بلا حدود استنكرت في وقت سابق من صيف العام الحالي احتجاز اليونان المئات من المهاجرين غير الشرعيين في مركز احتجاز ضيق وغير نظيف بجزيرة ليسفوس بالبحر المتوسط دون أدنى رعاية صحية. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن اتفاقية جديدة للاتحاد الأوروبي تتعلق بالهجرة واللجوء ستتم المصادقة عليها خريف العام الحالي، من شأنها أن تزيد موقف الهجرة غير الشرعية سوءا بدلا من أن تؤدي إلى تحسنه حيث تركز بشكل أكبر على تقنين تدفقات الهجرة. ودعا المسؤولون اليونانيون الاتحاد الأوروبي إلى تقديم المزيد من الدعم من خلال تكثيف دورياته على حدودها ومساعدتها في التغلب على التدفق المتزايد لطالبي حق اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية. لكن الاتفاقية الجديدة يبدو أنها ستترك كل دولة لتتعامل مع هذه المشكلة بمعرفتها.