تمر علينا شخصيات لها طريقة خاصة في التعامل مع المواقف ومع الآخرين، وهي طريقة تلفت الانتباه في قدرتها على جعل الأخطاء إيجابيات إذا كانت تلك الأخطاء صادرة من الشخص أو ممن يميل إليه، وفي الوقت نفسه ينظر إلى الإيجابيات الموجودة في غيره على أنها سلبيات ذات أبعاد عميقة في الشر. وهذه القدرة تكشف عن سمات نفسية وعقلية تكوّنت لدى الشخص بفعل التنشئة الاجتماعية، يضاف إليها ما اكتسبه من ردود فعل من خلال التجارب والخبرات المختلفة التي مرت في حياته. وهذه المكونات جعلته يعيش حالة خوف دائمة تسيطر على كيانه، وهو خوف يكاد يكون قهريًا من الوقوع في الخطأ أو الاعتراف به. ولهذا لا يعبر هذا الشخص عن أسفه لأي ضرر تسبب به، ولا يعترف بأخطائه، ولايتراجع عن قراراته. وفي حالات نادرة حينما لايجد مناصًا من الاعتراف بالخطأ، فإن التعبير عن ذلك الخطأ لا يأتي واضحًا وصريحًا بقدر مايكون مغلّفًا بعبارات تسعى إلى التخفيف من الخطأ أو محاولة إماتته وعدم تركيز الحديث عنه. ولكي يتضح سلوك هذا النمط من الشخصيات يمكن ضرب أمثلة من المواقف، ومنها أنه حينما يأتي متأخرًا على اجتماع أو لقاء، فإنه يبادر بتقديم تعبيرات من مثل: "مادريت إنكم رايح تجتمعون بسرعة"، وربما يضيف: "ماأحد ذكّرني اليوم"، أو "أذكر المرة الماضية ان الأغلبية جاؤوا بعد الموعد"، أو يقول: "أنا كنت أصلا موجود هنا، لكني كنت أتكلم مع شخص"، أو "كنت أرتب معلومات تخص لقاءنا". ونادرًا مايضع اللوم على المواصلات أو المسافة أو التوقيت، لأنه يعلم أن هذه المبررات تدخل ضمن الاعتذارات التي يتحمل هو مسؤوليتها. ولو دققنا النظر في تسويغه السابق للتأخر لوجدنا أن التبرير يتضمن عنصرين: الأول إبعاد اللوم عن ذاته سواء أكان التبرير ردًا على استفسار عن سبب تأخره أو كان مبادرة استباقية منه. والعنصر الثاني أنه بقدر تنصّله من مسؤولية التأخر فإنه يُحمّل غيره سبب تأخره، مثل أنه لم يبلّغ أو أنه اعتمد على تجربة سابقة أو أنه انشغل بشيء من مصلحة الاجتماع..إلخ. والحقيقة أن تبريره للخطأ يكشف عن مقدار الخوف من التهديد الذي يتربص في أعماقه، لأنه يرى أن الاعتراف بالخطأ سوف يجعله في مواجهة مع تهمة التقصير، ولهذا فإنه يسارع بإزاحة هذه التهمة عنه وإلصاقها في جهة أخرى. وبسبب تعوّده على أن توسم شخصيته بالتميز منذ الصغر في البيت أو في المدرسة أو في العمل فإنه غير قادر على رؤية شخصيته متحررة من أغلال النمط الذي وضعت فيه، ولهذا فإن التبريرات التي يقدمها تجعله يشعر بالرضا والنصر في إبقاء شخصيته الافتراضية دون مساس. وللحديث بقية عن سمات هذه الشخصية وطبيعة روحها الدفاعية.