كثيرة هي هموم الحياة، التي تدفعك إلى انغلاق الأفق، بل إلى سد كل الطرقات التي تؤدي إلى تفعيل العقل، أو الاستماع إليه. تنفصل نتيجة مسببات كثيرة، فتتمترس داخل دائرة ولا تصاهر سوى القلق، والانسلاخ من الهدوء. حصار أفكار الهمّ لا يعني عادة ممارسة دروس التشاؤم من الحياة، أو الانسجام داخل بوتقتها، أو الاعتقاد لدى الآخر بأن هذا الشخص دأب دائما على تحميل الأمور أكثر من حجمها، أو مما تستحق. في الوضع الطبيعي للحياة اليومية، وللكوارث التي تنبت كل يوم لكل فرد طبيعي، وواقعي، لابد أن يداهمنا القلق مؤقتاً، أو مستديماً لفترة. لابد أن نشعر بارتفاع الحواجز أمامنا فجأة، دون ان نملك على الأقل في تلك اللحظة القدرة على اجتيازها، أو هدمها. من الطبيعي أن تغادر الأحلام تدريجياً، بعد أن كانت هي الغطاء الأجمل للحياة. ومن الطبيعي أيضاً ألا ينشغل البعض بمحاولة استردادها، أو البحث عن أسباب مغادرتها هكذا مبكرا، بعد أن كانت تحقق باتفاقها مع تناقضات الحياة اليومية تناغما رائعا يدفئ اللحطات الموجعة. تغيب الأحلام الواقعية على الأقل وليست الناعمة، ولم نعد نبكي عليها وهذه هي الكارثة، في ظل غياب الكثير، وتبدده أمامنا، دون محاولة الوقوف على أسباب هذا التسرب، او حتى التصدي الطبيعي له. داخل دائرة هذه التحديات الحقيقية، والقلق اليومي المستمر والصراع المتصل مع الحياة، تصل إلى مرحلة تكاد أن تفقد فيها توازنك، وايجابيتك في التعامل مع من حولك. ستصل إلى مرحلة قد يُنزع فيها صمتك، وستظل تبحث عنه طويلا دون أن تصل إلى أراضيه. هموم الحياة المريرة، قد تحول البعض إلى شوارع الاكتئاب، وتجعل منهم صورة منسوخة لبشر غائبين تماما عن الحياة رغم وجودهم فيها. وقد تحول البعض إلى شوارع الغوغائية، والانفعال المتسارع وما أكثر ما نلحظه في الحياة اليومية من تفاصيل يذوب فيها التفكير، وتغيب مفردات العقل وترتكب فيها حوادث نتيجة حصار هذه الهموم وعدم القدرة على التعامل معها بهدوء، أو عقلانية. وقد تسد كل الطرق أمام البعض وبصمت فيتحولون الى صور أخرى غير التي اعتدناها، يفقد ذلك الشخص توازنه، يغيب تفكيره المنطقي، يحتكر حقيقة واحدة مطلقة توصل اليها، رغم أن للحقيقة التي يعرفها وجوهاً متعددة. كل المسارات قد تغلق أمامنا، ونشعر بأن هناك مشواراً طويلا لمحاولة فتحها، وليس فتحها، لكن بعيداً عن الرضوخ للاحتقان، أو استيراد إجابات جازمة من الداخل، دون محاولة الوصول إليها بهدوء. أو الشعور بأن الوضع المتأزم هو الأكثر ديمومة، وهو المتسلط الوحيد علينا. لكن علينا أن نؤمن أن النفق مهما سدت منافذه، ستكون هناك نهاية لانغلاقه، وأن المشهد العدمي المعروض، والذي يمارس علينا من الإقصاء بسلبية. سينتهي دون شك، ولن نعود في حاجة إلى تأمله لكن بمزيد من الهدوء، وتحمل خندق اجترار الويلات والأوجاع اليومية.