رُهاب اجتماعي مع اضطراب قلق سيدي الفاضل، أكتبُ أليك بعد أن أعياني البحث عن علاجٍ لمرضي الذي أعاني منه منذ سنواتٍ طويلة. أنا الآن في الرابعة والخمسين ومشكلتي قد تبدو بسيطة عند البعض لكنها أعاقت حياتي بشكلٍ حقيقي. مشكلتي يا سيدي هي أنني أعاني من قلقٍ شديد وخوف عظيم من تجمعات الناس، فأنا لا أحب الاختلاط بالآخرين وليس لي أصدقاء. كنتُ متفوقاً في دراستي حتى حصلتُ على درجة الماجستير من الولاياتالمتحدةالأمريكية ورفضت إكمال دراسة الدكتوراه لأنني لا أرغب في أن أصبح عضو تدريس في الجامعة. اخترت تخصصاً ليس له علاقة بالجمهور، أذهب إلى عملي ولا أقُابل أحداً، وأقوم بعملي على أكمل وجه. أرفض أي دعوة توجهّ لي. وحتى الآن لم أتزوج لأني لا أستطيع أن أذهب وأقابل أهل العروس التي يختارها لي أهلي. أنا أعيش في الرياض لكني لست من أهل الرياض وعائلتي تعيش في بلدٍ آخر، وعندما أذهب لزيارتهم، أتكبد مُعاناة كبيرة لأني أعاني من الخوف من السفر بالطائرة، وعندما أذهب إلى المطار أتصببُ عرقاً كما لو أن أحداً سكب عليّ جركلٍا من ماء. فملابسي تُصبح مبللةً بالعرق لدرجة لا تُصدق، وأشعر بالحرج من هذا ولكن ليس لي وسيلة آخرى لزيارة أهلي سوى ركوب الطائرة وبرغم أني أسافر بكثرة إلا أن الخوف الشديد من السفر بالطائرة لم يخف، وكذلك العرق الغزير الذي يتصبب من كل جسدي على ملابسي لم يخف ويجعلني أشعر بإحراج شديد من الآخرين الذين أشعر بهم يُحملقون بي وهذا ما يزيد من مشكلة قلقي وخوفي. أتناول طعامي وحيداً، حيث أذهب إلى المطعم ولا أنزل من السيارة وأطلب من النادل في المطعم أن يُحضر لي الطعام وأذهب و آكل وحيداً. عندما تكون هناك مناسبة يتطلب عملي حضورها أحاول اختلق الأعذار كي لا أذهب ولكن حدثت عدة مناسبات لم أستطع الاعتذار عنها مما جعلني أتناول كحولاً بكميةٍ كبيرة، صحيح أنني أختار الكحول الذي ليس له رائحة ولكن تناولي لكمية كبيرة، نصف قارورة قبل الذهاب إلى المناسبة يجعلني أترنح وألاحظ أن الآخرين يلحظون هذا عليّ ولكن دون أن أتناول الكحول يستحيل عليّ الذهاب لأي مناسبة. حياتي أصبحت صعبة وأشعر بأني سوف أقضي حياتي وحيداً بلا زوجة ولا أطفال وكذلك بلا أصدقاء، حاولت العلاج عند عدة أطباء ولكن لم يتحسن وضعي وتزال أموري كما هي، فالقلق الشديد ينتابني عند مواجهة أي شخص حتى لو كان طفلاً صغيراً، أشعر بأن عمري يتقدم وانا مازلت وحيداً ولا أشعر بأن هناك علاجاً يمكن أن يُساعدني، سؤالي لك: هل يوجد علاج لمن هم يُعانون مثل حالتي ؟ هل هناك عمليات جراحية لعلاج هذا الاضطراب القاهر الذي يعتبره البعض أمراً سهلاً ولكنه بالنسبة لي أمرٌ عظيم عوّق حياتي، أتنازل عن الترقيات حتى لا أصبح في وظيفةٍ تستدعي مقابلةً مع الجمهور، لذا فإني ارجوك إذا كنت تعرف مكاناً أستطيع العلاج فيه في الخارج أو أي علاج يُساعدني على التخفيف من هذا القلق الشديد والخوف من الآخرين، أعرف بأن حالتي قد تكون تافهة بالنسبة للكثيرين لكن أنا أعاُني أشد المُعاناة من هذا الاضطراب، أرجو منك ألا تُهمل رسالتي وإذا كان هناك مساعدةً تستطيع تقديمها لي فلك خالص الشكر؟ (ف.غ) - أخي العزيز، ها أنا أطرح رسالتك كما كتبتها لي، وأقول لك بأنك لستُ الوحيد الذي يُعاني من هذه الحالة، فغالباً حالتك هي ما يُعرف بالرُهاب الاجتماعي مع اضطراب قلق عام. أنني أشاركك بأن هذا الاضطراب الذي قد يعتبره البعض أمراً سهلاً هو في واقع الأمر اضطراباً معّقوق كما هو الحال معك ومع الكثيرين من أمثالك. الرُهاب الاجتماعي هو الاضطراب النفسي الثالث شيوعاً في الولاياتالمتحدةالامريكية بعد الإدمان على الكحول والاكتئاب، وتصل نسبة الإصابة به في بعض الفئات العمرية نحو 13%، ولكن تختلف حدة المرض من شخص لآخر، فبينما البعض يستطيع عمل شيء بسيط مع الآخرين، هناك بعض المصابين بنفس الاضطراب الذي تُعاني منه يُعانون مثلك تماماً، ولقد قابلت خلال دراستي لهذا الاضطراب في جامعة ادنبرة مرضى لا يخرجون من بيوتهم إطلاقاً، فهم لا يعملون ولا يذهبون إلى البقالة لجلب إحيتجاتهم بل يوكلون إلى آخرين مثل الأخوة أو بعض الأقارب. صحيح بأن هذا الإضطراب يميل إلى أن يُصبح مُزمناً خاصةً إذا لم يُعالج من مرحلةٍ مبكرة مثل مرحلة الطفولة أو المراهقة، فإن علاجه يُصعب خاصة إذا كان شديداً. حقيقةً ليس هناك عملياتٍ جراحية لعلاج هذا الاضطراب ولكن هناك علاجات دوائية وعلاج نفسي (علاج سلوكي - معرفي) قد يُساعد على تخيف حدة المرض، ولكن يحتاج منك إلى صبر ومُثابرة ووقتٍ طويل حتى تحظى ببعض التحسّن. لا أعرف هل حاولت هذه العلاجات من قبل أم لا وهذا لا يمنع من أن تجّرب هذه العلاجات خاصةً وأنك كما تقول بأن عمرك يتقدم وأنت تشعر بالوحدة، آمل أن لا تترك نفسك لليأس وتستسلم للاضطراب وتعيش حياتك وحيداً أكثر مما عشت. حاول أن تجرّب العلاجات والذهاب إلى عيادة نفسية بحد ذاته قد يُجرؤك على الاختلاط بأشخاص يعانون من نفس الاضطراب الذي تُعاني منه وهناك علاج جماعي لمن هم يُعانون من اضطرابك قد تستفيد من الاتصال بهم.