أكتب هذا الأسبوع من الدوحة حيث ينعقد مؤتمر دولي (في إطار الأممالمتحدة) لتمويل التنمية، وهو الثاني من نوعه منذ انعقاد المؤتمر الأول في مونتري (المكسيك) عام 2002م الذي تبنّى ما يُعرف بتوافق مونتري Monterrey Consensus. ونظراً إلى أن المؤتمر يُعقد في ظل الأزمة المالية العالمية، فقد تركزت الأفكار على البحث عن بدائل للمنظور التقليدي للتنمية تتوافق مع نقص السيولة الناتج عن تلك الأزمة. وينعقد هذا المؤتمر في الدوحة بهدف متابعة تنفيذ توافق مونتري، وهو جهد يشارك فيه عشرات من رؤساء الدول والحكومات والوزراء والمنظمات الدولية والإقليمية. ويُقدّر عدد الحضور ب 3000 شخص، مما يدل على الاهتمام الذي يوليه العالم لهذا الموضوع الذي أصبح مُلحّاً في ظل الأزمة المالية. وكمعظم مؤتمرات الأممالمتحدة، هناك الخطب التقليدية التي يلقيها رؤساء الوفود، ومن أهمها الخطاب الافتتاحي لأمير دولة قطر وكلمة الرئيس الفرنسي، فقد انتقد الشيخ حمد "إلقاء عبء التنمية كله على الدول المنتجة للنفط" ورأى في ذلك تنصلاً للدول الكبرى من مسؤولياتها، وتحاملاً على دول النفط التي تساهم بأكثر من حصتها في مساعدة الدول النامية. أما الرئيس ساركوزي فقد انتقد تفرد الدول الكبرى بصناعة القرار الاقتصادي العالمي، قائلاً إن مجموعة الدول الثماني قد "تجاوزها التاريخ"، ودعا إلى مشاركة فعالة للدول حديثة النمو. وعُقدت على هامش المؤتمر عشرات الندوات والحلقات والاجتماعات التي تتعلق بموضوعه، وتركزت على إعطاء تقييم واقعي لما تم خلال السنوات الست منذ انعقاد المؤتمر الأول في مونتري. ورب ضارة نافعة، فنظراً إلى أن المؤتمر يُعقد في ظل الأزمة المالية التي حدت من قدرة الدول الغنية على تقديم المساعدات، فقد كان هناك توجه أكبر إلى البحث عن بدائل لها. وعلى سبيل المثال، أشارت بعض الابحاث إلى أن الاستثمار الأجنبي يساهم بحصة تتجاوز ضعف مساهمة المساعدات، وتشكل تحويلات العمال أربعة أضعاف تلك المساعدات. وفي كلتا الحالتين، للاستثمار الأجنبي وتحويلات العمال آثار مضاعفة في تحريك الاقتصاد، أسرع من المساعدات التي تركز على تمويل المشاريع الحكومية، وتأخذ وقتاً طويلاً في الإنجاز، أما الدعم المباشر للأجهزة الحكومية فإن تأثيره على الاقتصاد محدود على المدى القصير، وربما المدى الطويل. ومن هنا فإن الإسهام الحقيقي للمؤتمر يتمثل في بلورة سياسات أثبت تفوقها في تحقيق التنمية على المساعدات، وأهمها: حشد الموارد الذاتية، وتشمل زيادة نسبة مشاركة فئات المجتمع في النشاط الاقتصادي، وتحسين قدرة الاقتصاد على الاستيعاب. تحسين البيئة الاستثمارية لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي إصلاح الأسواق المالية إصلاح النظام المالي العالمي إزالة العوائق أمام التجارة أما المساعدات والتعاون الدولي فيجب أن ينصبا على تحقيق هذه الأهداف. أي أن يكون دورهما محركاً، لا بديلاً، لتنمية القدرات الذاتية للدول النامية.