لم تكن لعبة كرة القدم في بدايات ظهورها في بلادنا بتلك الدرجة التي هي عليها الآن سواءَ من ناحية الاهتمام أو الكفاءة إذ كانت تمارس وفق اجتهادات فردية ودون أسس منهجية صحيحة ترتكز عليها، ومع تزايد الاهتمام الجماهيري لتلك اللعبة وارتفاع حدة المنافسة بين الفرق كان لابد من تقويم الأداء وفق أساس ومنهج صحيح وهذا لن يتأتى إلا بالاستعانة بالخبرات الخارجية المتمرسة قدرة وتجربة واستقدامها للتدريب للاستفادة مما تكتنزه من خبرات في صقل مواهب الشباب وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وبالفعل تم إحضار المدربين من الدول المتقدمة في هذه اللعبة وبدأوا في مزاولة مهامهم وهكذا تدرجت الكرة السعودية في سلم التطور إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من مكانة فاقت كل التوقعات وحطمت كل الحواجز لتحتل زعامة العالم في درجة الناشئين فضلاً عن زعامة أكبر القارات (3) مرات والتأهل لكأس العالم للكبار (4) مرات وغير ذلك من الإنجازات المدوية للكرة الخضراء، خلاصة القول أن المدرب الأجنبي كان له الفضل بعد الله في رقي وتطور الكرة السعودية في بداية مسيرتها مع ما حظيت به من رعاية واهتمام وتوجيه من قبل القيادة الرياضية، نتج عن ذلك بروز العديد من اللاعبين الذين تمرسوا في فنون هذه اللعبة ونهلوا من معينها ثم اختتموا حياتهم الرياضية بالاتجاه لحقل التدريب نظراً للكفاءة والخبرة اللتين إكتسباها مع احتكاكهما بالقدرات التدريبية العالمية وصقل هذه الخبرة بالانخراط في دورات تدريبية في أرقى المعاهد والأكاديميات المتخصصة عالمياً، وبالتالي رسم منهج خاص بهم لا يقل كفاءة عن المدربين الأجانب بل والتفوق عليهم! وإذا أمعنا النظر في ساحتنا الرياضية نلمح أسماء العديد من الكفاءات التدريبية الوطنية التي استطاعت ولا تزال تمخر عباب التفوق في هذا المجال وعلى رأسهم مدرب منتخبنا الوطني الأول الكابتن ناصر الجوهر وزملاؤه الأخوة صالح خليفة وحمود السلوة ويوسف خميس وعلي كميخ ويوسف عنبر وبندر الجعيثن وعبدالعزيز الخالد وغيرهم الكثير ممن لا تحضرني أسماؤهم. وهنا يبرز التساؤل الذي يحتاج إلى إجابة مقنعة تخدم مسيرة الكرة السعودية وهو: هل وصلنا للمرحلة التي من خلالها نستطيع الاستغناء عن خدمات المدرب الأجنبي (نهائياً) والإستعاضة عنه بالمدرب الوطني الذي أثبت كفاءته ومقدرته؟! حقيقة من يجيب هم أصحاب الشأن في الساحة الرياضية لدينا، إلا أنني أعتقد أنه آن الأوان لمنح أبناء الوطن الفرصة لإثبات الذات وتقديم عصارة تجاربهم وخبراتهم للأندية التي تحتضنهم، فالتدريب مهنة تكتسب بالممارسة والإطلاع على المستجدات والاحتكاك بالخبرات وهذا ما يتوفر لدى مدربينا الوطنيين ولعل ما تضمنته إحدى فقرات خطة تطوير دوري المحترفين التي أعلنها مؤخراً نائب أمير الشباب نواف بن فيصل تؤكد عزم القيادة الرياضية على النهوض بأبناء الوطن من المدربين وإزالة الجفوة التي يجدونها من بعض الأندية، حيث نصت هذه الفقرة على منح مبلغ خمسين ألف ريال سنويا للأندية التي تستعين بالمدرب الوطني، وهذا يعني أن القيادة الرياضية وضعت بهذا القرار الكرة في مرمى الأندية لا سيما ذات الدخول المادية القليلة للاستعانة بأبناء الوطن ومنحهم الفرصة والدعم والتشجيع حتى يتسنى لهم خدمة وطنهم في المجال الرياضي، كما أن في ذلك إيقافا للهدر المالي الذي يصرف على المدرب الأجنبي، ويكفي في هذا الصدد فخراً للمدرب الوطني أن من يقود منتخبنا الأول الذي هو الواجهة الحقيقية لرياضتنا هو ابن من أبناء الوطن لمس فيه الكفاءة والتأهيل ومنح هذا الشرف الذي يعد وساماً على جيد جميع المدربين الوطنيين يبقى هنا دور الأندية للأخذ بيدهم ومنحهم الفرصة للإبداع والتألق. بدر بن فهد السريع