لم تكف آلة الردح العربية عن مواصلة أدوارها المشبوهة وحملاتها اليومية ضد بلادنا في وسائل إعلام حكومية، ومعارضة في لبنان، متخذة من مؤتمر حوار الحضارات والأديان الذي دعت إليه الأممالمتحدة وحضره الملك عبدالله، سببا آخر من أسبابهم الكثيرة للهجوم على بلادنا! مدعين أن المؤتمر يشكل مدخلا لتطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل والاصطفاف ضد إيران! بسبب حضور شيمون بيريس، لم تكن المملكة من دعته بل الأمين العام للأمم المتحدة الذي رد على هذه الادعاءات قائلا: (إننا هنا لنواجه العدو الأول وهو الجهل، أي جهل الآخر وليس لبناء جبهات ضد أي طرف أو دولة)، ويتجاهل المنتقدون الذين تشمل حملتهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي شارك في المؤتمر أمرين على درجة من الأهمية، أولهما أن أي لقاء أو حتى مصافحة لم تحصل بين شيمون بيريز والملك عبد الله، وثانيهما أن الانتقادات تتجاهل المفاوضات التي تجري بمعزل عن أي غطاء دولي بين سورية وإسرائيل فضلاً عن اللقاءات "الحارة" التي أجراها المسؤولون الإسرائيليون مع زعماء دول عربية متقاربة في التوجه مع المنتقدين، فضلا عن مشاركتهم في مؤتمراتهم، وهذا يؤكد سياسة العرب التي تكيل بمكيالين، بدوافع لم تعد خافية على أحد! التكتل العدائي هذا أشبه ما يكون بتكتل عصابات يفلت زمامها كلما التفتت ووجدت من يهدد وجودها واستمرارها في عبثها وتلاعبها. فهل يستحق هؤلاء العتب والبعض منهم لم يتوان عن التآمر على وطنه حربا وإرهابا لحسابات أجنبية ومصالح خاصة ؟ هذا عدا ما يقوم به المرتزقة الذين باعوا ضمائرهم وعرضوا أقلامهم وحناجرهم في سوق الصراع العربي - العربي الذي تعمل على تأجيجه دولة تصدر أزماتها للخارج كي توجد لغوغائييها لعبة ينشغلون بها عن مشاكلها الداخلية. وأخرى تناطح الصخر لكي تفرض نفسها لاعبا رئيسا في البيت العربي. تلك التي ما زالت قناتها الناطقة بالعربية تؤكد حتى اللحظة أن لقاء تم بين الملك عبدالله وشيمون بيريز في خطوة يثمنها الغرب جيدا للملك!! ولا يخفى على المراقب أن هؤلاء يزعجهم عدم مجاراتهم في حفلات الشتم وترفع المملكة والنأي بنفسها عن الخوض في وحل طال مكوثهم فيه، الأمر الذي يعبر عنه قول الشاعر: ولقد أمرّ على اللئيم يسبني @@@ ثم التفت قلت لا يعنيني إن الأسئلة التي تتداعى هنا كثيرة منها: كيف صارت الغوغائية سلوكا مجتمعيا عربيا بامتياز؟ ولماذا صار الرعاع والدهماء يملكون هذا الصوت القوي لتشويه المواقف الناصعة ؟ لماذا صار الكذب حاضرا بقوة في كل موقف من مواقف العرب في عصرنا الراهن ؟ من الذي عمّق هذا السلوك العصابي وعمل على تغذيته حتى وصل بعض العرب إلى هذا المستوى البدائي الهمجي؟ لا ريب أن تراكم حالات الاحتقان ومشاعر الكراهية لدى هؤلاء الناتجة عن الشعور بالدونية، هي التي تؤجج العداء تجاه الآخر المختلف عنهم مكانة ودورا ومصداقية وأهمية، حيث يصبح هدفا مشروعا لحملاتهم الإعلامية وبذاءاتهم وهذا مما يتصف به الدوغمائيون، إذ العقل الدوغمائي يحتاج دوما إلى عدو يعدّ وجوده ضرورة للفرار من حالة اللاسلم واللاحرب، فيعلن دوما عن حرب يشعلها بكم كبير من مفردات الكذب والتشويه والتضليل، ولا ينفك عن تحميل الآخر كل أسباب إخفاقاته وأوزار فشله ؛ لهذا يشن عليه حربا تتعالى فيها صيحات الأنصار والمريدين وتقرع طبول الحرب لتوفير جو من الشحن النفسي والتعبئة العامة ليكون ستارا يحجب وضعه المتردي، هذه هي أسلحته التي يستخدمها ليظل موجودا ومسيطرا، وإلا كيف سيذكره الآخرون ويعلمون بوجوده لولا سلوكه هذا ؟ لقد تساءل بعض الغربيين قائلا: لماذا العرب وحدهم في هذا العصر هم الذين تسود عندهم هذه الثقافة ضد بعضهم؟! هذه الثقافة أصطلح على تسميتها ب (حرق المراكب) أي خط اللا عودة الذي ترعاه دولة عربية ومن سار في فلكها من أحزاب وأتباع، وهو سلوك عربي بامتياز فلم يكن وليد اليوم، وإنما هو مترسخ في ثقافة الحكومات الثورية العربية منذ أزمان. وليس هذا بمستغرب على أمة امتهن بعض أفرادها تشويه الحقائق التي لا تخدم مصالحهم ولا تتوافق مع أجندتهم، من منا لا يذكر المواقف المتخاذلة التي صاحبت مبادرة الملك عبدالله للسلام في قمة بيروت 2002، هذه المبادرة التي اتفق العرب عليها بالإجماع واعتبرت فيما بعد مبادرة عربية، لكن بعضهم ما زال يصر على تسميتها مبادرة السعودية عندما يريدون تشويهها، ويتجاهلون لدن الحديث عنها أن الملك عبدالله رفض القبول بتجزئة إسرائيل لها! ويقينا أن هذه المبادرة لو كُتب لها النجاح فحينها سيقولون إنها مبادرة عربية لا سعودية، ولا ننسى محاولة تشويه موقف بلادنا من حرب حزب الله على إسرائيل عندما ادعوا أنه وفر غطاء للهجمات الإسرائيلية! وأخيرا مسرحية الاعتراف على التلفيزيون السوري التي لم تدم طويلا، فقد أُكتشف مدى التلفيق الذي جاء على لسان من ظهروا على شاشة التليفزيون المذكور، كل هذا مفهوم في ظل وجود أشخاص متلبسين بالأحقاد ومشاعر الكراهية التي بات حتى الطفل يفهم دوافعها. إن من يحرض هؤلاء وجه نصيحة لوزراء الإعلام والاتصالات العرب قائلا بأن (الخطاب الإعلامي العربي يجب أن يرقى إلى مستوى يستطيع من خلاله الاستجابة للتحديات السياسية والفكرية والأخلاقية في مجتمعاتنا العربية وأن يكون وسيلة مثلى لإعادة تعزيز العلاقات العربية - العربية) ولا يملك من يسمع هذه النصيحة إلا أن يرسم أمامه مئات علامات الاستفهام والتعجب. تشويه المواقف لعبة أتقنها القوميون والثوريون ووجدوا في القنوات خير معين على تثبيت هذا الزيف وترويجه في العالم العربي عبر برامجها الحوارية التي تستضيف فيها كل حاقد وكل جاحد وكل كاذب وكل خائن لوطنه والأخلاق العامة. واللافت للنظر أن إحدى القنوات التي حيل بينها وما كانت تفعله تجاه قضايانا، عمدت حين أزعجها حضور بلادنا ودورها الفاعل على المستوى الدولي الذي تتراجع أمامه أدوار هواة القفز العالي، عمدت إلى أسلوب التجاهل معتقدة أن هذا سيقلل من منجزنا وأن الأخبار لا تُعرف إلا متى نقلتها قناتهم. إن ما يحدث من كل هؤلاء يدل على أنّ كلّ ذي نعمة محسود، وهو في النهاية مجرد كوميديا سوداء وإن استمر عرضها في مواطن كثيرة، فهي لا تعدو طنين أجنة ذباب لا يضير!!! لا ريب أن مسرح العبث العربي يجد في الساحة اللبنانية أرضا خصبة لنشر أحقاده وترويجها عبر عملائه، وقد أعربت مصادر بريطانية لصحيفة السياسة الكويتية بأنه (لو أمكن أن يكون لبنان مركزا للقاء الثقافات والأديان في العالم، ونجحت السعودية والدول الحليفة لها في اختياره لهذه المهمة البشرية غير المسبوقة، لتهاوت من حول حصانته الدولية التي سيكتسبها، كل المؤامرات الهادفة للسيطرة عليه، ووضعه تحت رحمة التطرف والتعصب والإرهاب... ولتمكن من صدها والانتصار عليها بدعم دولي قد يكون هذه المرة أكثر دلالة وقوة من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن خلال السنوات الأربع الماضية، لحمايته من دول محور الشر وأظافرها الداخلية الناشبة في عنقه)! ولا شك أن هذا الأمر لو حدث فإنه سوف يُكسب لبنان حصانة ثابتة ونهائية لجهة عدم تحويله إلى "نظام ممانعة" يعتمد الإرهاب والحروب والتحريض وترويج المؤامرات. ويتحدث ادمون صعب الكاتب في صحيفة النهار اللبنانية في مقال عنوانه (لبنان الأطرش في حوار الأديان) عن هذا الأمر ثم يعقب قائلا: (إذا كان للبنان أن يحظى بالاهتمام الذي يطرحه رئيسه، فلابدّ أن يكون صالحا لهذا الدور، مستقرا موحدا، خاليا من النزاعات الطائفية والمذهبية، آمنا مضيافا على ما أراده مؤسسوه. وهذا لا يمكن أن يتحقق إذا استمرّ التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية، سواء من جانب سوريا وإيران، أو من جانب السعودية ومصر وواشنطن...)!!! غريب جدا هذا الكلام الذي يقوله كاتب كنا نظنه من أهل الاعتدال الذين يضعون الأمور في حجمها الحقيقي ولا ينحرفون بها عن مسارها الصحيح، إذ كيف يضع المملكة في الخانة نفسها مع الذين يستغلون الوضع في لبنان من أجل غايات خاصة ويجعلونه ورقة للمساومات مع الغرب ؟ لقد رعت المملكة لبنان منذ أزمان دون غيرها من البلاد العربية، وعلى أرضها تمت المصالحة بين رؤساء الطوائف والأحزاب اللبنانية المتنازعة دوما، ولم تتأخر يوما عمّا يصب في مصلحة لبنان وشعبه، فليست هي من استنزف ثروات لبنان، وليست هي من قتل زعماءه وكتابه وأحراره، وليست هي من نصب الشراذم قادة وأسيادا، وليست هي من جعل لبنان ساحة لتصفية حساباتها مع الآخرين، وليست هي من اعتبرت لبنان بقرة حلوبا تدر عليها الثروات الطائلة لهذا السبب لا تريد التخلي عنه، وتمني النفس بالرجوع إليه ما دام هناك من اللبنانيين أنفسهم من يساعدها لتحقيق هذا الحلم. ثم يقول: (وفي وسع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز المساعدة في رفع الأيدي عن الحكم، من طريق وقف التشجيع على الصراع المذهبي، ووضع حد لاقتطاع كل طائفة أو مذهب حصة له في السلطة، كأن يعتبر السنّة السرايا حصتهم، والشيعة مجلس النواب، والموارنة القصر الجمهوري، واقتسام لبنان على أساس أنه مجموعة غنائم... فينتهي الوطن)، ولا أظن هذا الأسلوب جديدا في لبنان بل هو جزء من التركيبة اللبنانية الغريبة، واللبنانيون لا سواهم المسؤولون عنه، وهم فقط من يستطيع إصلاح هذا الاختلال في بلادهم ونظامهم الديموقراطي العجيب! إن أهمّ وثيقة صدرت عن منظمة الأممالمتحدة وتتعلق بمبادئ شمولية تشكل أساساً لإرساء سلام حقيقي بين البشر، هي وثيقة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" التي أقرّت في العام 1948.التي تنص على (أن تحقيق السلام بين الأفراد والشعوب والدول وتوطيده وتحويله إلى ثقافة أو إيديولوجيا، لا يقوم فقط على منع وقوع العنف والنزاعات والحروب، بل يقوم أيضاً على تعميم القيم والمواقف والمسلكيات التي تسهم في تعميق العيش المشترك تأسيساً على مبادئ الحرية والعدالة والديموقراطية والتسامح وجميع مبادئ حقوق الإنسان، مع عدم استخدام أساليب العنف ومعالجة أسباب الأزمات عبر الحوار والتفاوض).. إن الخلافات بين الدول في المواقف السياسية أمر طبيعي يحدث بين كل الدول في العالم كما يحدث بين دول الاتحاد الأوربي نفسها، دون أن تنحدر هذا الانحدار الخطير الذي ينعكس على العلاقات بين الدول ويوترها، يقول أحد الكتاب الغربيين: (في أيامنا هذه كثيراً ما يُنءظَر إلى الكلمات باعتبارها مصدراً لعدم الاستقرار بين الشعوب، إنها حرب الكلمات ؛ فقد تحولت الكلمات الآن وبصورة واضحة، إلى ساحة معارك في إطار تصفية الحسابات والتعبير عن الأحقاد المتغلغلة في نفوس بعضهم، وعلى هذا نستطيع أن نقول إن الموقف الليبرالي التقليدي الداعم لتوسيع نطاق حرية التعبير، بدأ يخسر مصداقيته في كل مكان).