تجتاح العالم موجة سكرية عظيمة لم تستثن قارة أو دولة أو مجتمعاً، حتى أن المنظمات العالمية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية دقت ناقوس الخطر نتيجة لارتفاع معدلات الوفاة والمراضة من مضاعفات هذه الداء التي أرهقت الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول وخصوصا النامية منها. ولكون هذا الداء مصاحبا للمريض طوال فترة حياته جاءت آثاره النفسية والاجتماعية جلية على مستوى الفرد المصاب والأسر المشتملة على أفراد مصابين. وحيث إن داء السكري من حيث انتشاره على المستوى العالمي قد جاوز ما كان معروفا سابقا وهو (5%) ليستقر عند (7%)، أي: بمعدل ارتفاع (1%) كل عشر سنوات، فإن حال هذا المرض في مجتمعاتنا العربية أسوأ بكثير، حيث إن معدل الارتفاع العالمي كل عشر سنوات هو المعدل السنوي في المجتمعات الخليجية. فمعدل الإصابة في المملكة العربية السعودية قبل ما يزيد عن ثلاثين سنة كان (2.2%) وقد قفز هذا المعدل إلى (5%) بعد عشر سنوات وبالتحديد في عام (1985م)، ثم قفز مرة أخرى ليصبح (12.3%) بعد عشر سنوات أخرى أي في عام (1995م). وأما في آخر دراسة منشورة عن داء السكري في المجتمع السعودي فقد أصبحت نسبة الإصابة بالسكري (24.7%)، ومن ذلك يتحقق أن معدل الزيادة السنوي للمصابين بداء السكري في المجتمع السعودي هو (1%) تقريبا. وبالنظر لجميع هذه النواحي المتمثلة في جوانب عديدة من الصحة البدنية والصحة النفسية والصحة الاجتماعية إضافة إلى الأثر الاقتصادي لداء السكري فإنه يمكن إجمال ذلك فيما يلي: أولا: الصحة البدنية: إن لداء السكري مضاعفات حادة ومزمنة ذات أثر مباشر على صحة الفرد وتتمثل الآثار الحادة في حالات ارتفاع وانخفاض حاد في معدل سكر الدم، والتي قد تتسبب بحالات الوفيات. إلا أن أكثر أسباب المراضة هي المضاعفات المزمنة، حيث إنه في المجتمع السعودي يتسبب داء السكري في (39%) من حالات اعتلال الشرايين، ويعاني (12%) من مرضى السكري من اعتلال الكلى المسبب للفشل؛ بل يعتبر المسبب الأول للفشل الكلوي في المملكة. كما أن (7%) من المرضى مصابين باضطراب النظر المسبب للعمى، ويتسبب السكري بوفاة (9%) من مرضاه سنويا (أي: ما يزيد عن 200.000مريض سنويا)، حيث تشكل أمراض القلب الوعائية المسبب الرئيسي للوفاة بمعدل حدوث يصل إلى (88%). ومن الجدير بالذكر أن السكري هو المسبب الأول لبتر الأقدام في المملكة، ويكشف السجل الوطني لداء السكري عن أن (2%) من مرضى السكري السعوديين قد أصيبوا بحالات تقرح القدم السكري التي تؤدي في أغلب الحالات إلى البتر. ثانيا: الصحة النفسية: يؤثر السكري منذ اكتشافه على الحالة النفسية للمريض حيث كشفت العديد من الدراسات أن نسبة الإصابة بالاكتئاب تزيد عن (40%)، وأن (60%) من هؤلاء يعانون من حالات الاكتئاب المزمن التي تؤثر على أداء الفرد والناتج الوطني للمجتمع. وقد كشفت الدراسات المحلية أن المجتمع السعودي السكري يعاني من الاكتئاب بصورة أشد وذلك للنظرة الخاطئة حول هذا الداء لدى العديد من أفراد المجتمع. ثالثا: الصحة الاجتماعية: يحمل داء السكري داخل المجتمع السعودي نظرة سوداوية، فالمصابون بهذا الداء يُنظر إليهم اجتماعيا نظرة إشفاق وحذر ولا يوجد تقبل للإصابة أو فهم حقيقي حول هذا الداء، حيث ينظر (67%) من المجتمع السعودي لداء السكري على أنه مرض خطير يؤدي إلى الوفاة مقابل (13%) من المجتمع الفنلندي، و(15%) من المجتمع الأمريكي. وهذا عائد إلى النظرة الخاطئة حول هذا الداء في المجتمعات العربية عمومًا والمجتمع السعودي خصوصًا. رابعا: الأثر الاقتصادي: يستنزف داء السكري (33%) من ميزانيات الصحة في الدول الأوربية ويكلف الولاياتالمتحدةالأمريكية (115) بليون دولار سنويا حسب إحصائية عام 2004م. أما عن التكلفة المباشرة لداء السكري على مستوى المملكة فلا توجد حاليا دراسات ميدانية منشورة بهذا الخصوص، وباستخدام الطرق الحسابية ذات الدقة العالية فإنه من المتوقع أن يكلف النوع الأول من السكري خزينة الدولة ما يقارب من (1.3) مليار ريال سنويا، في الوقت الذي يكلف فيه النوع الثاني الأوسع انتشارا خزينة الدولة (4.6) مليارات ريال سنويا، أي: مبلغ إجمالي مقداره (5.9) مليارات ريال سنويا كتكلفة مباشرة. ويكفي لتأكيد هذا الرقم أن نعرف أن مرضى السكري الذين أصيبوا بالفشل الكلوي التام ويحتاجون إلى الغسيل الدموي يبلغ عددهم حاليا ما يقارب أو يزيد عن (3000) مريض حسب تقرير المركز الوطني لزراعة الأعضاء، ويكلف هؤلاء المرضى خزينة الدولة ما يقارب ثلث مليار ريال سعودي سنويا لعملية الغسيل فقط، وهم شريحة بسيطة من العدد الكبير لمرضى السكري في المملكة. أما التكلفة غير المباشرة فبحسابات دقيقة يمكن القول إنها تستنزف ما يقارب (51) مليار ريال سنويا. @ مدير المركز الجامعي للسكري -جامعة الملك سعود