يدور الحديث هذه الأيام عن الأزمة المالية العالمية وتتصاعد وتيرته بشكل واضح حول مسؤولية ودور هذه الأزمة في ما يشهده العالم حاليا من تباطؤ في اقتصادياته المختلفة وما تبعه من تباطؤ في حركة نمو تلك الاقتصاديات وذلك بعد رمي هذه الأزمة بظلالها الثقيلة على مختلف أسواق العالم حتى بات من المعلوم عند الجميع أهمية تحرك حكومات العالم المختلفة مع سرعة مبادراتها للتغلب على هذه الأزمة من خلال تدخلاتها الحاسمة المتمثلة سواء بدعمها ومساندتها المادية المباشرة لمرتكزاتها المالية أو من خلال اصدراها للعديد من الإجراءات والقوانين والتشريعات الحمائية لضمان استقرار نظامها المالي و لمنع تكرار هذه الأزمة مستقبلا وإسهاما منها بالتخفيف من حدة آثار هذه الأزمة المالية العاصفة على أسواقها حالياً. لقد تهاوت مختلف أسواق المال بالعالم وتصدعت بشدة نتيجة لهذه الأزمة المالية المدوية وبشكل سريع جدا لم يكن لأحد أن يتصور حدوثه بهذه السرعة و بالحجم الكارثي المرعب حتى انقلبت موازيين القوة الاقتصادية للدول الغنية الكبرى رأسا على عقب ووقعت في فخ هذه الأزمة المالية المرعبة واهتزت لها مراكزها المالية الحصينة بعنف تهاوت معه الكثير من شركاتها العملاقة وبنوكها الاستثمارية الضخمة لدرجة الشطب بعد تأكد إفلاساتها، لقد شاع الخوف وعم الذعر وقربت الولاياتالمتحدة من حافة الانهيار الذي ينذر بوقوع كساد عظيم آخر... وإزاء هذا الأمر تنادى جميع قادة تلك الدول الكبرى لسرعة القضاء على هذه الأزمة الخانقة وسعوا سعيا حثيثا يجوبون العالم يمنة ويسرى يطلبون مد يد المساعدة لهم من هنا وهناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مراكز أنظمتهم المالية المتهاوية بشكل خاص ومن ثم إنقاذ النظام المالي العالمي، ومن أولى الخطوات التي خطتها الدول الصناعية الكبرى في هذا الاتجاه هو دعوة عشرين دولة من الدول ذات الثقل الاقتصادي العالمي ومنها المملكة للاجتماع بواشنطن منتصف هذا الشهر لبحث هذه الأزمة ومنع تكرار حدوثها، وفي هذا الاتجاه قام الرئيس الفرنسي لكونه الرئيس الحالي للاتحاد الأوربي مؤخرا بزيارة للصين لطلب مساعداتها وعونها المالي لحل هذه المعضلة نظرا لما تملكه الصين من وفرة مالية فاقت 9,1 تريليون دولار ولقد كان رد القيادة الصينية له واضحا وصريحا بأن ما لديهم من مدخرات مالية سوف توجه بالمقام الأول للتنمية الداخلية للعديد من الأقاليم الصينية عبر إقامة مشاريع تنموية كبرى فيها وذلك لرفع مستوى سكان تلك المناطق كما أن القيادة الصينية حددت لساركوزي عدة شروط يجب على الولاياتالمتحدةالأمريكية تنفيذها قبل أن تقدم الصين مساعداتها المالية للدول الصناعية المتأثرة بتلك الأزمة وأهم تلك الشروط أن تلغي الولاياتالمتحدةالأمريكية صفقة الأسلحة المقدرة ب 5,6 بليون دولار مع الصين الوطنية وأن يسمح للصينيين بشراء وتملك الشركات الأمريكية والأوربية..... هذا من أهم ما قاله القادة الصينيون لساركوزي..... ونحن في دول الخليج العربي نعتبر محط أنظار العديد من الدول الكبرى المتأثرة بالأزمة المالية الحالية لما لدينا من وفره بالاحتياطيات المالية الضخمة ولما نعيشه من ازدهار اقتصادي الأمر الذي جعل تلك الدول ترسل وفودا رفيعة المستوى تجوب منطقتنا طلبا في مساعدتهم على تجاوز محنتهم المالية......هل نستفيد نحن دول الخليج الغنية من الموقف الذي اتخذته الصين لتحقيق مصالحها من خلال ما وضعته من شروط مقابل المساعدات المطلوبة منها ؟..... هل نفتح خزائننا لمن طلبوا مساعداتنا ليغرفوا منها ثم يذهبوا من حيث أتوا دون أن تتبدل مواقفهم تجاه قضايانا ونحقق بذلك التبدل مصالحنا ؟... بماذا نرد عليهم ؟......... فالنقل لهم تعالوا نتفق. عليه أرى أن يتضمن رد دول منطقتنا على مطالبات الدول الكبرى المتعثرة لمساعدتها ماليا على عدة أمور أهمها أن دول منطقة الخليج العربي جميعها بلا استثناء مع التعاون الدولي التام لحل هذه الأزمة العالمية، وكما يجب أن يتضمن الرد أيضا بأن وفرة الاحتياطيات المالية لدول الخليج العربية المصدرة للبترول ربما أخرت وقوع الآثار السلبية لهذه الأمة على قطاعاتنا الاقتصادية ولكنها لا تستطيع أن تمنعها من الوقوع للأبد لو تفاقم الوضع مستقبلا.... فلذا يجب علينا أخذ الحيطة والحذر والمحافظة على تلك الاحتياطيات لا أن نبعثرها حتى نتمكن من التغلب على الصعوبات الاقتصادية عند وقوعها لا سمح الله، كما يجب ان يتضمن الرد على أهمية حصولنا على ضمان من جميع تلك الدول الكبرى في حل مشاكل منطقتنا العربية حتى تعيش شعوب منطقتنا بسلام وتتحقق معه التنمية المنشودة لها والرفاهة المطلوبة، وأن يتضمن ردنا أيضا على توضيح موقفنا الأدبي والأخلاقي تجاه مساعدتنا للدول العربية من خلال برامج نضعها لمساعدتها والنهوض بها وتنميتها وعندها يتطلب الأمر أن نحدد كلف تلك البرامج المالية من إجمالي حجم احتياطياتنا، وأما فيما يخص الاحتياطيات المالية الضخمة للمملكة العربية السعودية فإنني هنا اشكر القائمين على إدارة تلك الاحتياطيات التي أثبتت الأيام أن السياسة المحافظة التي انتهجتها الجهات المعنية بإدارة هذه الاحتياطيات وبتوجيه من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده الأمين كان لها الأثر الكبير والبالغ في المحافظة على تلك الاحتياطيات وتنميتها بعيدا عن المخاطر... ولا يفوتني أن أنوه على أهمية تلك الاحتياطيات المالية لبلد مثل المملكة العربية السعودية بالنسبة للوطن والمواطن فيجب علينا أن نستمر بالعمل على تنميتها وإبعادها عن المخاطر وأن نوظفها في الاقتصاديات المنتجة فقط وأما من ناحية مساهمة احتياطياتنا في حل مشكلة الازمه المالية العالمية فيجب أن تكون هذه المساهمة مدروسة وبقدر معلوم وبشكل دقيق لا تؤثر لا من قريب ولا من بعيد على مشاريع التنمية العملاقة التي تتطلبها المملكة وأن تقدم تلك المساهمة ضمن شروط والتزامات تفرض على الدول المطلوب مساعدتها وفق ما ذكر أعلاه ليتحقق لنا بعض المكاسب المادية والمعنوية كما ويجب التأكيد على أن تذهب هذه المساعدات لقطاعات إنتاجية لا أن تعطى كطوق نجاة لإنقاذ المسئولين عن القطاعات المضاربية هناك.... ولا يفوتني هنا أن أوضح أهمية أن تكون الحلول الموضوعة للقضاء على هذه الأزمة وفق إطار دولي شامل لا مكان فيه للاجتهادات الفردية.