افتتحت الدكتورة نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية السورية أمس أعمال مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي يستمر يومين في فندق الشام بالعاصمة السورية دمشق حيث رأس وفد المملكة الى المؤتمر معالي وزير الشؤون الإجتماعية وزير الثقافة والإعلام بالنيابة الدكتور يوسف العثيمين. وشارك في هذا المؤتمر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وأمين المنظمة العربية للثقافة والعلوم الدكتور المنجي بوسنينة ورؤساء المجالس الوطنية العربية للثقافة والآداب والفنون ورؤساء المنظمات الثقافية العربية. وقد استهل حفل الافتتاح الذي اقيم بهذه المناسبة بكلمة لوزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان رحب فيها بالحضور مؤكدا أهمية هذا المؤتمر في تطوير والمحافظة على الثقافة العربية. بعدها ألقت الدكتورة نجاح العطار كلمة باسم الرئيس السوري بشار الأسد رحبت فيها بالحضور ودعت فيها الوزراء العرب الى مواصلة المسيرة لتحقيق المزيد من الإنجازت الثقافية في العالم العربي الذي كان له حضارة هزت الدنيا أمدا في هذا المجال وهو ينتظر إشراقة فجر جديد. وقالت "يا زملاء درب للثقافة قطعناه معا كتفا بكتف في عمل مشترك تلاقينا على أهدافه ورسمنا معالمه ليكون السبيل الى تحقيق تقدم يضع أجيالنا في قلب العصر ويمدها بالنسغ المحيي دون أن تضيع الهوية الجامعة واللغة الموحدة والثقافة المتجذرة والثوابت المرتكزة على وعي لحقائق الوجود وإيمان بطاقات الأمة وإمكاناتها وبتلك الآصرة التي يستحيل أن تنفصم بيننا لأنها جزء من تكويننا وعامل مساعد لا تقضي عليه رعود الأيام وصروفها وغزو من هنا وعدوان من هناك ومعارك لا يمكن في النهاية أن تحسم إلا لصالحنا أمة عربية واحدة بثقافتها وتكوينها ولغتها وهويتها وكل عوامل تقدمها". وأضافت "كلكم أهل مكة - وأهل مكة أدرى بشعابها ولن أحمل التمر الى هجر وما أحب أن أقول معادا ولكنها بعض المعالم على طريق رحب ترنون اليه بالعيون التي لا تريد أن تغفو عن حقائق هي السبيل الى استشراف المستقبل الأبهى لأمة هي الأعرق في الحضارات والأنبل في التعاطي مع القيم وفي الإيمان الكبير بإنسانية الإنسان وبكل ما تتطلبه هذه الإنسانية من سيرورة متقدمة تفجر منابع العطاء والإبداع والتغيير والإرتقاء بحثا متواصلا عن فجر منور في حياة كوننا هذا الذي لم يستحل الى قرية صغيرة إلا بالمعنى الرمزي المؤاتي لدول الهيمنة التي تحاول أن تخضع الشعوب الأضعف قوة والأقل شأنا وأن تمسك بها وبمصائرها في راحة اليد". وأعادت الدكتورة العطار التذكير بالمؤتمر الثقافي العربي الأول الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان في العام 1976م وما حققه من نجاحات في تطوير الثقافة العربية بحيث كان آنذاك حدثا فريدا من نوعه. وتساءلت "ماذا نصنع لبناء ثقافة عربية أصيلة ومتميزة تكون على مستوى العصر تثري الحضارة وتسهم في إغناء المعرفة مع الحفاظ على الأصالة والإفادة من خير ما في التراث وخيرة ما في النتاج الثقافي الراهن وصولا الى كل ثقافي عربي موحد ناتج من هذا اللقاء بين إرث الماضي ومعطيات الحاضر"؟ فقالت "وكان الجواب على هذا السؤال يعني ضرورة تجديد الثقافة العربية وتطويرها ولا نقول إحياءها لأن ثقافتنا كانت حية دائما وأثبتت جدارتها بالحياة على مدى التاريخ". وأكدت الدكتورة العطار أن تجديد الثقافة وتطويرها فيما يفهم من هاتين الكلمتين هو رفدها بالدم الجديد والنهوض بها على أساس المقاييس الحضارية الحديثة وجعلها تأخذ نصيبها من العلم والتكنولوجيا وتتفاعل معهما حتى نستطيع النماء وإثبات الوجود ودخول العصر من الباب الواسع. وتطرقت الدكتورة العطار في كلمتها الى الخطة الثقافية الشاملة وقالت "وكان أول ما لاحظناه على الخطة الثقافية الشاملة بعد استعراض أهدافها ومبادئها هو التخطيط المدروس لها والتحديد الواسع لأهدافها وما تعنيه هذه الأهداف من تطوير للبنى التحتية الإجتماعية والإقتصادية والفكرية لأن الثقافة ركن البناء الحضاري وأساس تماسك الأمة ولقد تناولت هذه الخطة قضايا كثيرة منها التنمية الثقافية وإبراز الهوية الحضارية العربية الإسلامية وتحقيق التحرر القومي الشامل بوصف الثقافة عنصر دفاع ورفض للتبعية والاستلاب والتشويه ومنها تكوين شخصية المواطن العربي وإغناؤها وتأكيد حق الإنسان العربي في اكتساب الثقافة وحقه في حرية التعبير عنها وهو مبدأ أساس وحق مشروع وديمقراطية نوهت بها الخطة ونصت على ضرورتها في أكثر من موقع". وأشارت الى أن الخطة الثقافية الشاملة حددت بدقة ووضوح بحيث تعبر عن الخطوط العريضة الرئيسية الناظمة للفلسفة الثقافية العربية وهي خطوط تتماشى مع أحدث قواعد العملية الثقافية من حيث سلامتها واستلهامها لتراثنا الباذخ عراقة وحداثتنا الصاعدة طموحا. وأضافت "وقد أعطت هذه الخطة مصداقية مسلماتها وملأتنا يقينا بأنه من حقنا أن نتطلع الى دور ثقافي ريادي يعيد مجد الماضي ليلتئم وطموح الحاضر". وأعربت الدكتور العطار أملها في أن تحظى عملية التحديث المنشودة للخطة الثقافية الشاملة العربية بالنجاح وتمنت على المؤتمرين أن يفيدوا من إمكانات المفكرين المثقفين في دفع هذه العملية الى الأمام. وقالت "تماما كما كان الحال عندما رأت هذه الخطة النور ومثقفونا المفكرون هؤلاء هم ثروتنا الوطنية وهم جديرون بالرعاية والاهتمام وبأن يعطى لهم أن ينتجوا ثقافتهم بإبداعاتهم وأن يجعلوا من إنتاجهم هذا درعا للوطن". ثم ألقى أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى كلمة بالمناسبة شدد فيها على أهمية إنعقاد أعمال هذه الدورة الهامة التي تبحث في تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية باعتبارها حجر الأساس في تأكيد الهوية والحضارة العربية ودعم التوجه الحضاري العربي. وأشار الى أن الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية أثبتت أن المجتمعات العربية بحاجة ماسة الى إعادة تقييم أوضاعها وأعمال الإصلاح والتحديث في عصر يتطلب ذلك وأمام تحديات تكاد تطرح كما قال الكثيرون أن "نكون أو لا نكون". وأضاف "ولأن نكون فالطريق طويل ولا يتعلق فقط بالإصلاح الإقتصادي الذي هو ضرورة أو الإجتماعي الذي هو ركن أساسي أو الإصلاح السياسي الذي هو أسلوب حياة يجب أن يتطلب أن يأخذ في إعتباره روح العصر الذي نعيش فيه ولكن الأمر يتطلب في الأساس أن نحافظ على الهوية العربية وهنا يأتي دور الثقافة وتنظيم آفاقها والاحتفاء بإبداعاتها وتأكيد دورها ضمن الثقافات العالمية الرئيسية ولهذا شروطه ومتطلباته التي لا تخفى وأنتم قادة العمل في مجال إحياء ثقافة العرب". وتابع "إلا أن الأمر لا يجب أن يصل أن تهيمن فكرة ربط الثقافة العربية بقضية الإنتماء والهوية فقط أو أن تنحصر في دائرة إقيلمية ضيقة ونحن نعيش في عصر العولمة بكل ما تطرحه وهو ما يتطلب إقداما من ناحية وحذرا من ناحية أخرى وتفرض رحابة من جهة وإنضباطا من جهة أخرى وهذا لن يحققه قانون ولن تحققه وثيقة كما لن تضبطه إجراءات أمنية ولكنها الثقافة ولكنه التعليم اللذان يشكلان القاعدة الصلبة للتفاعل الثقافي والحياتي ويمنع التراجع أو الإنهزام أمام الثقافات الأخرى". وأكد الأمين العام للجامعة العربية أن معالجة الأوضاع الثقافية في العالم العربي في حاجة ماسة الى إيجاد صيغ جديدة عصرية جريئة ومنفتحة للتعاون بين مختلف المؤسسات الثقافية العربية لإطلاق عقال الثقافة وتحقيق الحرية لمثقفي الأمة مبدعيها لأنهم وجدان الأمة العربية الذي يجب أن ينبض بالفكر ويحلق عاليا في زمن السماوات المفتوحة التي يطير فيها الكل ذهابا وإيابا صعودا وهبوطا ولكنهم دائما يحملون هويتهم ويرفعون أعلامها. وتابع موسى "هذا في رأي ما اقترح أن ينطلق منه تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية باعتبارها استراتيجية لهذه الثقافة في عصر جديد ومختلف يتعامل مع متغيرات جذرية يواجه تحديات غير مسبوقة طرحتها ثورة الاتصالات والمعلومات والانفجار المعرفي والتطورات الأخيرة التي يشهدها عالم اليوم وما ينتج عن كل ذلك من تفاعلات ثقافية وحضارية دولية مركبة". ودعا الأمين العام للجامعة لتعزيز التعاون الثقافي المتكافئ واقامة الصلات الثقافية مع العالم غير العربي دعا أولا الى إنجاز مشروع النهوض باللغة العربية وثانيا استثمار الدور المؤثر الذي تؤديه المؤسسات الإعلامية العربية في نشر الثقافة وليس وأدها بإبعادها المختلفة لا سيما وسائل الإعلام التي أصبحت حالياً من الأدوات الأساسية التي تطوعها الدول والمجتمعات لتحقيق برامجها التنموية، وثالثاً دراسة التجارب الثقافية الناجحة التي طبقها عدد من التكتلات الإقليمية الدولية كالاتحاد الأوروبي الذي انتهج سياسة السوق الثقافية الأوروبية المشتركة التي أصبح لها عائد ثقافي مثمر على كافة الدوائر الثقافية الأوروبية الأمر الذي يدعونا للتوجه بعد دراسة متأنية الى وضع اتفاقية السوق الثقافية العربية المشتركة موضع التنفيذ لما لها من آثار ايجابية في التبادل السريع لآراء المثقفين والمصنفات الفكرية والمواد الثقافية وتداول التجارب الثقافية الناجحة بين المجتمعات العربية وسينعكس بالضرورة ذلك على تطوير أداء العمل الثقافي العربي المشترك، ورابعا تطوير حركة الترجمة في المنطقة العربية كونها القاعدة الثقافية الأساسية في تقدم العالم العربي بصورة لائقة الى الآخر خاصة في هذه الظروف والمتغيرات التي تعاني فيه صورة الشخصية العربية من الإساءة والتشكيك، وخامسا النظر في وضع مشروع اتفاقية لحماية التراث الثقافي والتاريخي العربي وفي هذا الإطار يمكن أن تقوم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية كالإيسيسكو واليونيسكو لتفعيل مضمون هذه الإتفاقية خاصة في هذه الظروف حيث لا تزال الأراضي الفلسطينية تعاني من الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على تراثها ومواقعها التاريخية وعلى رأسها المسجد الأقصى والقدس المحتلة. وشدد على تشجيع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص حتى يكون لها دور فاعل في تشكيل مفردات الخطة الثقافية العربية لما تتميز به هذه المؤسسات من مرونة في الحركة بالإضافة الى ما تتمتع به من خبرات واسعة وإمكانيات مادية تؤهلها الى مساندة الخطط والبرامج الحكومية في المجالات الثقافية اضافة الى مواصلة العمل على تحديث العملية التعليمية في الوطن العربي في إطار ما تقوم به حاليا الامانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من جهود لتنفيذ خطة تطوير التعليم في الوطن العربي بالتعاون مع المؤسسات العربية المتخصصة في هذا الشأن. وأشارموسى الى أن تعميق مفهوم التعاون الثقافي والتعليمي بين العرب سوف يسهل عليهم سبل التعاون في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليعيدوا لأنفسهم اليوم مكانا لائقا على الخريطة السياسية للعالم العربي يمكن أن نوجه منه خطابا ثقافيا الى الآخر يتسم بالانفتاح وحرية التفاعل والموضوعية. كما ألقى الأمين العام للمنظمة العربية للثقافة والعلوم الدكتور المنجي بوسنينة كلمة المنظمة في مجال الثقافة العربية مؤكدا أهمية الموضوعات المطروحة على جدول أعمال الوزراء المعنيين بالثقافة العرب نحو تحقيق أهداف الأمة العربية في النهوض والحفاظ على هوية الثقافة العربية. وأكد الدكتور بوسنينة المديرالعام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أهمية انعقاد هذه الدورة من المؤتمر في رحاب دمشق الفيحاء وفي ضيافة سورية التي فتحت ذراعيها دوماً للمثقفين والمبدعين من كل أرجاء الوطن العربي وكانت دون انقطاع السند والمؤازر للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ولشتى مظاهر العمل العربي المشترك انطلاقاً من نظرة قومية راسخة ومن حرص متجدد على عروبتنا العربية الوثقى. وأوضح أن المؤتمر هو الأقدم في تاريخ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وغدا مؤسسة عريقة من مؤسسات العمل العربي المشترك في مجال الثقافة، مشيراً إلى أن الثقافة تظل خط دفاع الأمة العربية الأول في مواجهة شتى التحديات المطروحة ولاسيما المهددة لهويتنا بفعل العولمة المتوحشة التي ضمت الثقافة إلى الاقتصاد وكذلك بفعل الثورة المعلوماتية الكاسحة التي فرضت أنماطاً جديدة من الثقافة ومن السلوك لايمكن لثقافتنا العربية ان تبقى في مأمن من تأثيراتها. وقال: من هنا بدت ضرورة التنسيق بين الدول العربية من أجل صياغة سياسات ثقافية تستجيب لمطالب المرحلة الراهنة فكان قرار تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية حتى تواكب التغيرات والتحولات التي طرأت على العالم وعلى الوطن العربي منذ اقرارها عام 1985وهذا الموضوع هو الموضوع الرئيسي للمؤتمر الحالي لأننا أمام منعطف تاريخي خطير ولابد من تضامن وتنسيق عربيين ولابد من استجابة جماعية في حجم التحديات التي تواجهها الأمة وهي مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقومية تضمن من خلالها لأمتنا حضورها الفاعل بين الأمم في خارطة الغد الإنساني. وأوضح أن الموضوع الثاني الذي سيطرح في المؤتمر هو مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي أقرته القمة العربية في دمشق والذي أكد دور اللغة العربية في الحفاظ على هويتنا العربية وتوحيد الأمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وتحقيق التواصل والتفاعل بين أبنائها باعتبار اللغة أساس القومية وعنوان الشخصية العربية وذاتيتها الثقافية وهي سبيل الأمة نحو التوجه إلى مجتمع المعرفة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي داعياً الخبراء والمختصين إلى اغتنام هذه الفرصة للخروج باللغة العربية إلى أنوار العصر وتكييفها مع مطالب التجديد والتحديث لكن دون تفريط في أصالتها. بعدها ألقى وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان اغا كلمة أكد فيها أن احتفالنا بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009هو تأكيد على عمق حضورها في الوجدان العربي والإسلامي كما يسعدنا ان تكون المحاور الثلاثة في هذا المؤتمر تتعلق بتحديث الثقافة. وأشار وزير الثقافة السوري إلى أن النهوض باللغة العربية هو العنوان الأهم وهو أن نبقى عرباً لأنه لا أمة من دون لغة وأي أمة تفقد لغتها تفقد حضورها وطريقها متمنيا للمؤتمر النجاح في أعماله والخروج بقرارات تدعم قدرات الأمة على بناء المستقبل.