نذير فنصه.. صحافي سوري متمكن ومثقف، كان رئيس تحرير جريدة "ألف باء" الدمشقية في العام 1945.وكان الصحافي الكبير على علاقة قوية بزعامات سوريا مثل أكرم الحوراني، صلاح البيطار،، ميشال عفلق، زيد مرهج، حلمي الأتاسي، طراد الملحم، شكري القوتلي، والشاعر بدوي الجبل، وعشرات غيرهم من السياسيين الكبار الذين أثروا في تاريخ سوريا المعاصر، وعايش فنصه أحداث سوريا المفصلية، وعاش انقلابات عسكرها العنيفة والدموية، وعهود المخابرات التي حكمت البلاد ببطش، وإرهاب، ودم. نذير فنصه الصحافي والكاتب والقارئ للأحداث كان قدره أن يكون قريباً جداً من ثورة حسني الزعيم في مارس 1949، وكان قدره أن يكون مدير مكتب الزعيم حسني الزعيم بعد الثورة. وأن يتزوج الزعيم قبل ذلك من أخت زوجته دون رضاه، وكان قدره - أيضا - أن يكون شاهداً على مرحلة من مراحل تاريخ الأمة العربية، وتاريخ سوريا الراهن. في كتابه "أيام حسني الزعيم - 137يوماً هزت سوريا" يسجل الصحافي فنصه أحداث الصراعات على الحكم، وكيف يكون الشعب ضحية هذه الصراعات، وخداع الشعارات والخطب والوعود، ويسجل شهاداته بدقة وأمانة، ليفضح فكر العسكر، وتوجهاتهم، وجهلهم، وغاياتهم، وأبعاد تفكيرهم، وهل هم ملائكة أم شياطين، مخلصون أم مدفوعون، مصلحون أم مخربون..؟ ويروي للتاريخ ما يجعلك تقرأ، وتستنتج، وتجعل العقل والفهم يعملان للوصول إلى مأساة هذه الأمة، وإنسانها بشكل واضح وصريح. والكتاب لا يعنيني منه الآن - وأنا أعيد قراءته بعد ثلاثين عاماً - ما كرّسه من فضح كامل لأفكار العسكر، وشعاراتهم، ولا الربط بين الامتدادات التاريخية، وطريقة عمل العقل منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن، ولكنني أورد رواية للصحافي فنصه تقول: "... زرت القاهرة بعد الثورة بتكليف من الزعيم حسني الزعيم، ومن ثم السعودية لكي أشرح لهما أهداف الثورة. سافرت إلى الرياض، وكانت امتداداً رملياً واسعاً يتوسطه منزل الملك عبدالعزيز. استقبلني الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بحرارة وسأل عن أوضاع سوريا. سلّمت العاهل السعودي رسالة شخصية من حسني الزعيم، وكان فيها أن انقلاب الزعيم ليس موجهاً ضد أحد، وأن الزعيم متمسك بالأخوة العربية السعودية. انتهى الاجتماع بقول الملك إن لديه رجاء واحداً يجب أن يصل إلى الزعيم حسني الزعيم وهو الحفاظ على حياة وكرامة شكري القوتلي، وأن لا يكون هناك سفك للدماء وعنف.." انتهى. أنقل الحدث باختصار، وأنقل طلب الملك عبدالعزيز كما أورده فنصه في كتابه بحرفيته، وبدقة متناهية... ومن خلاله نستمر. منذ عهد الملك المؤسس رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، والمملكة لديها ثوابت واضحة وصريحة منها أن الإرهاب، والقمع، والبطش، والاغتيالات، والمؤامرات مرفوضة تماماً في علائق الأخوة العرب، وأن التسامح، والحوار، والفهم، والعقل كلها تؤسس لعلاقات وتنمية وانصهار بين الأنظمة، وبين الشعوب. هكذا، أسس المؤسس الثوابت والمفاهيم. ويوم الثلاثاء نكمل..؟؟