إن التحول من مجتمع التعليم إلى مجتمع التعلم يعد هدفاً مهماً يجب أن توضع له الاستراتيجيات والخطط ذلك أن التعليم إذا لم يكن قادراً على زرع نزعة التعلم لدى الاجيال الصاعدة فإنه لا يصبح استثماراً مربحاً، فالتعلم هو القدرة على كسب المعلومة من خلال الجهد الشخصي وهذا يأتي من خلال زرع روح الشغف بالاطلاع وتطوير المهارات الذاتية بصورة مستمرة. إن التعلم مهمة لا تنتهي عند نيل شهادة معينة؛ بل هو عملية مستمرة تتابع كل مستجد ولا تختلف عنه خصوصاً أن المتغيرات والتطورات في مجال العلوم والتقنية أصبحت تسابق الزمن. إن مجتمع التعلم هو البوابة الرئيسة لمجتمع المعرفة الذي تحكمه عدة أمور لعل من أبرزها: @ الانتشار السريع والتطور المتسارع للعولمة بالأخص بعد انشاء المنظمة العالمية للتكنولوجيا wto الذي أدى إلى اتساع سوق العمل الدولي وتطوير أساليب الاتصال المعرفي وبالتالي زيادة التبادل الفكري والبشري والمادي. ولاشك أن كل ذلك يأتي نتيجة للتطور التكنولوجي والأخير أتى نتيجة لقدرة الأفراد والشركات على خلق المعرفة وتبادلها والاستفادة منها. إن خلق المعرفة وتبادلها والاستفادة منها من أهم العناصر التي تجعل للفرد اليد العليا في السوق التنافسية المعرفية على المستوى الدولي. @ إن مستوى اكتساب المعرفة هو الآلية التي يقاس ويقوّم بواسطتها مستوى الكفاءة الإنتاجية والمقدرة المعرفية والثقافية الخاصة بالأفراد والمؤسسات وهذا يعني أن العلوم والتكنولوجيا هي بوابات المعرفية التقنية التي تساعد على زيادة الكفاءة الإنتاجية وزيادة الاستفادة من المعرفة المتاحة. @ إن تعزيز دور الخبرة والمعرفة في العمل كفيل بتغيير شكل العمل وفرصه وأهدافه وهذا يعني أن الوظائف في المستقبل سوف تتطلب قدرات خاصة من أهم مقوماتها الكفاءة والإبداع مما يجعل الناس يتنافسون في تحقيق ذلك لأن فرص العمل سوف تكون للأقدر على خوض غمار المنافسة والفوز بها. @ إن المعرفة أصبحت تؤدي دوراً مهماً في حياتنا اليومية ذلك أنها أصبحت تستخدم في حل المشكلات اليومية ولم تبق مخصصة للاستخدام في البحث والتطوير فقط. وهذا ما فرض على كل مجتمع واع الحاجة إلى تطوير كوادره وقياداته وجعلها على مستوى معرفي مناسب يلبي حاجة التطوير المتسارع في العمل اليومي. @ إن المعرفة أصبحت تزداد وتتراكم بصورة متوالية هندسية حتى أصبح من المتوقع أن تتضاعف كل 73يوماً بحلول عام (2020م) فضلاً عن أن المعرفة المستقبلية سوف تطغى على المعرفة الحالية لدرجة أن نسبة المعرفة الحالية التي سوف تستخدم عام (2050م) لن تتجاوز 1% مما هو معروف هذه الأيام. من ذلك كله يتضح أن مجتمع المعرفة يحتل حالة من التميز الفكري والمعرفي والتقني معزز بالتقدم العلمي والبشري، وهذا ما يمكن وصفه ب "الثورة المتعددة المعاني والاتجاهات". وعلى العموم فإنه لا يمكن القفز من فوق الحواجز؛ بل لابد من تذليل الصعاب جنباً الى جنب مع خلق بؤر اشعاع معرفية على امتداد ساحة الوطن تشكل كل منها نقطة استقطاب وانطلاق ولعل الجامعات والمدن الاقتصادية والمعرفية تشكل منظومة معرفية تقود نحو زرع روح التعلم واكتساب المعرفة ومن ثم توليدها ونشرها وتحقيق الاستفادة منها، وهذا يتم من خلال البحث والتطوير لأساليب التعليم القائمة ويشمل ذلك كلاً من المنهج والمعلم والممارسة وبعد ذلك وخلاله توفر فرص العمل التي تساعد على استمرار اكتساب المعرفة وتطورها من خلال ممارسة التخصص واستمرار التدريب على كل مستجد. إن التحول إلى مجتمع المعرفة يتطلب عدداً من الخطوات العملية والميدانية التي تضمن سلاسة التحول وتعميقه ولعل من أهم تلك الخطوات ما يلي: @ الاهتمام بالفوارق والقدرات الفردية بحيث يصبح المسار المستقبلي لكل فرد واضحاً وجلياً وهذا يتم من خلال المتابعة التراكمية لتلك القدرات من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي حتى ما بعد التعليم الثانوي والجامعي. @ الاهتمام بالمواهب يعد من اهم الطرائق والوسائل التي تضمن معرفة النوابع وتوجهها الوجهة الحسنة. ولعل إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهبة خير شاهد على الاهتمام الكبير الذي توليه قيادتنا الرشيدة للتميز والتفوق والنبوغ. @ إن الذكاء له أشكال مختلفة وهو يتأثر وراثياً إلا أنه يمكن أن يعزز من خلال الممارسة والتعلم، ومن أهم أشكال الذكاء المعروفة: الذكاء المنطقي، والذكاء اللغوي، والذكاء الرياضي، والذكاء الحسي - الحركي، والذكاء الموسيقي، وذكاء العلاقات العامة والذكاء المكاني - والمحلي) وذكاء العلاقات الفردية وغيرها من أنواع الذكاء واشكاله، وتنوع الذكاء يتطلب تنوع التعليم وهذا له انعكاسات قوية على التعليم في جميع مستوياته، ذلك أنه يؤكد أهمية الفروق الفردية للتعليم وإضفاء الصفة الإنسانية عليه. والتنوع في التعليم أصبح من السهل تحقيقه بفضل التقنية الحديثة المتوافرة بالفعل وتلك التي تحت التطوير وذلك مثل التعليم بواسطة الحاسوب والانترنت وغيرهما مما سوف يكشف عنه المستقبل القريب. @ إن تعليم الصغار والكبار يحتم على معلميهم أن يتسموا بصفة الاطلاع والقدرة، والمعرفة والمهارة الضرورية لاستخدام التقنية الجديدة وكذلك استغلال المعرفة الجديدة حول أشكال الذكاء المختلفة؛ لتعزيز تعليم الأطفال من خلال الأنماط التعليمية المختلفة، ليس هذا فحسب بل إن على مدربي المعلمين ومدرسيهم في الكليات الجامعية، والدراسات العليا أن يعيدوا تدريب أنفسهم على كل مستجد من أجل إعداد أجيال جديدة من المعلمين والتربويين، فضلاً عن إعادة تدريب وتأهيل كثير من المدرسين الذين هم على رأس العمل، والتخلص من أعداد أخرى ممن يشكلون عبئاً على التعليم وأهله، إن أساليب الجديدة في التدريس والتعليم التي تتماشى مع ما تشير إليه الدراسات الجارية حول أشكال الذكاء المختلفة يجب أن يستوعبها المعلمون كما يجب تفسيرها تفسيراً دقيقاً لكل من الأسرة والمجتمع. @ إن النظام التعليمي القائم حالياً يعتمد على جعل الطلبة مخازن يعبأ فيها المعلمون عن طريق التلقين والحفظ عن ظهر قلب وبالتالي إلغاء ملكة العقل ذلك كون المعلومة مكررة وغير متجددة وهذا يجعل كثيراً من الطلبة يتعلم ويحفظ بعض الحقائق التي يقدمها له المدرس او المدرسة، لكنه لا يستطيع التعامل مع ماهو غير متوقع خصوصاً بعد تخوجه وتركه المدرسة، لأنه تعود على غيره في الحصول على المعلومة بينما كان من المفترض أن يساعده التعليم على اسلوب التفكير الذاتي والقدرة على كسب المهارات غير المرتبطة بمعرفة معينة، وهذا هو ما يسمى "ما وراء المعرفة". كما أن المشكلة الأخرى التي يعاني منها الطلاب هي الاعتماد على المدرس في تلقي وفهم كثير من الأمور وكذلك على الآباء في كثير من القرارات مما يوجد كثير من المصاعب أمام الطالب عند التحول إلى الحياة العملية، لذلك فإن تلك النقلة تحتاج إلى أن يواكبها مفهوم "الفطام" وهذا يعني فطام التلاميذ عن الاعتماد على المدرس والمدرسة بشكل تدريجي وبطريقة تساعدهم على تعلم التكيف والمرونة، وذلك من خلال منحهم الثقة في تسيير أمور تعلمهم من خلال زرع روح التعاون مع زملائهم وتمريرهم بمواقف تعليمية مختلفة مثل تقديم الخدمة للاخرين في المجتمع وهذا يكسبهم الاستقلالية والثقة بالنفس والقدرة على التصرف بعيداً عن تأثير الآخرين. نعم إن مقومات التربية والتعليم عديدة ولعل اهمها يكمن في وجود مدرس كفء ذي قدرة ومهارة على إيصال المعلومة أو الفكرة وبلورتها بصورة تصبح شيقة وممتعة، ويساعده على ذلك منهج واضح متجدد مختصر من دون إخلال، ومفصل من دون أملال، يستفيد من مقومات العصر ومعطياته ويتعاطى مع النشء كشريك في عملية التعلم، وليس متلقياً وحافظاً للنصوص من دون روح ينميها أو يسقيها. نعم إن قوة الإسلام تكمن في قوة أهله، وقوة أهله تكمن في رفع مستوى التعليم والتركيز في العلوم العصرية التي جعلت الغرب أقوى مادياً، لذلك فعلينا أن نقوي قوتنا الروحية بقوة مادية حتى نرد كيد الطعامين. إن المدرسة، والمعلم، والطالب، والأسرة والمجتمع أو المنهج، ووسائل العصر وتقنياته، يمكن أن تعمل كعناصر مكملة بعضها لبعض تصب في حلبة واحدة غايتها خلق جيل أفضل تعليماً وأكثر قدرة على التعلم، وهذا بدوره يوجد قوى عاملة قادرة على الإنتاج والإبداع والتجديد أو بمعنى آخر خلق مجتمع لمعرفة القادر على إنتاج المعرفة وتبادلها وتحقيق الاستفادة منها. والله المستعان.