الشرع لم يقر أو يلزم الزوجة بخدمة زوجها كما أنه لم يلزم الزوج بتلبية كل ما تحتاجه الزوجة من متطلبات، ولكن العرف وما نشأنا عليه ونشأ عليه من قبلنا السلف الصالح يقول إن التعاون يجب أن يكون بين الزوجين، فترى الزوجة تخدم زوجها في بيته، وتربي أبناءها والزوج مقابل ذلك يوفر احتياجات الزوجة والأسرة، أي أن التعاون مطلوب بين الاثنين. وحول هذا الموضوع تحدث ل"الرياض" عدد من الأكاديميين. في البداية قال د.ناصر العبيد - مستشار اجتماعي: أولاً: أشكركم أن أتحتم لي الفرصة للمشاركة.. وثانياً: لن يخفى على من سيتكلم في هذا الموضوع ما نظنه من ردود فعل.. فطائفة ستقول فتحتم باباً كان مغلقاً والنساء فيهن ما فيهن بدون علمهن لمثل هذا الشيء فكيف إذا علمن به.. وطائفة ستقول - وأظنها النساء - انكم فتحتم أذهاننا على شيء لم نكن نعرفه من قبل، وإن كان في اعتقادي انهن أصبحن لا يجهلن الكثير مثل هذا.. إلا أن ما يجب أن ننبه له في هذا الأمر هو أن هذا الذي نطرحه هو حكم شرعي الأصل علمه واتقاء الله فيه، وليست آراء شخصية نحورها كما نشاء، يبقى لاعتبار المصالح وما يحيطها بها من واقع وحال نظر واعتبار. فقبل الإشارة لهذه القضية أذكر بما جاءت به الشريعة من ضرورة ووجوب حسن العشرة بين الزوجين حال ارتباطهما ببعضهما وقبل العقد وبعده فيما لو تفرقا بطلاق لا سمح الله ... منبهاً إلى ورود ذلك الطلب الحقوقي من الله في حق الرجل أكثر بكثير من المرأة، ومن ذلك قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) وقوله في موضع آخر: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وقوله جلَّ وعلا: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، وفي الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء"، ولهذا ذهب جمهور الفقهاء على أنه يجب على الزوج يخدم زوجته إذا كانت مريضة عاجزة عن القيام بأمور نفسها، وكذلك إذا كانت غير مريضة ولكنها ممن لا يخدم نفسه في العرف، بأن كان لها خادم في بيت أبيها، فإن على زوجها في هذه الحال إخدامها بخادم واحد لا يزاد عليه، وذهب أبو يوسف إلى أن لها أكثر من خادم إذا كانت ممن يستحق ذلك في العرف. فإذا كانت معافاة وهي ممن يخدم نفسه في العرف، لم يجب عليه إخدامها، لأن العرف في حقها خدمة نفسها... وأما ما يتعلق بالنساء لا شك أن خدمة المرأة من المعروف الذي عليهن.. إذ ليس من المعقول وليس من العدل أن يعمل الرجل خارج البيت لينفق على البيت طعاماً وكساء وغيره ثم يعود ليخدم زوجه وولده بينما يكون دور المرأة في البيت هو الترفه والتنعم والاستمتاع بمال وخدمة الزوج، بل العدل والمعروف يستلزم واجبات عليها تقابل ما تنال من حقوق.... فإذا لم تخدمه المرأة وإنما كان هو الخادم لها فهي هذه القوامة عليه كما يقول العلامة ابن القيم في الزاد خاصة وأن ذلك ما تعارفت عليه أعراف الناس والأعراف تنزل منزلة الشروط في العقود. قال الفقهاء .. كل غنم في الشريعة يقابله غرم الغنم بالغرم - وكل حق يقابله واجب كما أن حقها على زوجها النفقة والكسوة فواجبها القيام بخدمته وخدمة بيته. كما أن المروي عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء صحابته أنهن كن يقمن بخدمة أزواجهن ومصالح بيوتهن فهذه فاطمة سيدة نساء العالمين ذهبت تشكو للنبي صلى الله عليه وسلم ما تعانيه في خدمتها وقيامها بشؤون بيتها من طحن وعجن وخبز حتى أثر الرحى في يدها، فحكم لفاطمة بالخدمة الباطنة ولعلي بالظاهرة.. ومن المسلم به عقلاً ومنطقاً وشرعاً أن كل حق يقابله واجب، وقد أوجب الله تعالى للزوجة على الزوج حق النفقة والكسوة والسكنى - فضلاً عن المهر - ومن البديهي أن يلقي على عاتقها لقاء هذا من الأعمال للزوج ما يكافئ هذه الحقوق الزوجية، أوَليس جزاء الإحسان الإحسان مصداقاً لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) قال ابن القيم في الهادي: إن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف أقر خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة (انتهى). وإذا لم تخدم المرأة الزوج - بل كان هو الخادم لها - فهي القوّامة عليه في هذه الحالة... وبالتالي فإن القول بأن خدمة المرأة لزوجها مجرد تطوع لا وجوب فيه وأنه ليس إلا من مكارم أخلاقهن يستلزم بياناً وبحثاً أكثر دقة... وبرغم أننا بمثل ما لا نرضاه من إرهاق الزوج لمحارمنا من الأعمال الشاقة.. فإننا أيضاً لا نرضى من بناتنا ولا من اخواتنا سوء العشرة التقصير مع الزوج في حقوقه.. ويبقى في ذلك كلمة: أن هذه المسألة غالباً ليست مطروحة في أعرافنا ولا تقاليدنا ولله الحمد لقناعة الكثير منا بهذا الواجب ديناً وأخلاقاً، وأن الزوجة لا بد عليها من القيام بحقوق الزوج، وأن مما يتوجب علينا أيضاً في ذلك أن نتعقل في نقاشها بما يتناسب مع الحال والمقال، إذ ليست المسألة صراعاً بين الزوجين وطيساً يبحث فيه كل منهما أن ينتصر على الآخر لإثبات مكانته.. بل هي تعود في أصلها ورمتها إلى ما هو أرقى بينهما كما قال تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة). من ناحيتها قالت د. فتحية عبدالصمد المشرفة على قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة القيام بشؤون المنزل وتدبيره يحتاج الى علم وفن، وخبرة ودراية يتوسمها الزوج في زوجته، ويرنو بنظره، وتتشوف نفسه الى قيام عروسه بها على أكمل وجه؛ لأنها من مكملات متعته، وأساس سكنه، وقرة عينه. ولعل مما يجدر ذكره هنا أن قيام الزوجة بشؤون المنزل مبدأ مقرر من قديم الزمان، وكان في شريعة الكلدانيين منذ نحو (ثلاثة) قرون قبل الميلاد، فكانت المرأة بعد الزواج تحمل على عاتقها تبعات الخدمة المنزلية، تستقي الماء، وتطحن الحبوب، وتعد الخبز، وتغزل وتحيك، وتؤثث البيت. هذا، وقد مارست النساء خدمة أزواجهن من عهد النبوة الى يومنا هذا. وحسبك ما رواه الامام مسلم من أن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - كانت تساعد زوجها الصحابي الجليل الزبير بن العوام صلى الله عليه وسلم حيث تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته، وتسوسه، وتدق النوى لناضحه، وتعلفه وتستقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من ثلثي فرسخ. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لقيها هو والصحابة صلى الله عليه وسلم والنوى على رأسها، واستمر الحال بها حتى أرسل إليها أبوها صلى الله عليه وسلم بجارية فكفتها ذلك (1). وفي الصحيحين: عن علي رضي الله عنه أن السيدة فاطمة عليهما السلام أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو اليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها انه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة - رضي الله عنها - فلما جاء أخبرته عائشة - رضي الله عنها - قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: (على مكانكما)، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: (ألا أدلكما على خير مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما او أويتما الى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم) (2). فهذه أشرف نساء العالمين - رضي الله تعالى عنها وأرضاها - كانت تخدم زوجها، وجاءت الى أبيها صلى الله عليه وسلم - وهي من أحب الناس اليه - تشكو اليه الخدمة، فلم يشكها، وحكم عليها بالخدمة الباطنية (خدمة البيت)، وحكم على سيدنا علي - كرم الله تعالى وجهه - بالخدمة الظاهرة. فمنهم من قال بالوجوب ومنه من قال بعدمه. ولعل القول الفصل في المسألة: هو عدم الأخذ بقول القائلين بعدم خدمة الزوجة لزوجها على إطلاقه، بل الصحيح القيام بخدمة زوجها الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، وتتنوع هذه الخدمة بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة ربة المنزل، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، وعليها فقس، فهذه بحقها خدمة، وتلك بحقها خدمة. فيتنوع الواجب على المرأة بتنوع الأحوال ويحتكم في ذلك الى العرف والعادة ف (العادة محكمة) ولا يخفى ان هذه قاعدة من القواعد الخمس الكلية التي يدور عليها الفقه في جل مسائله، فليحتكم اليها ويعتمد عليها. من جهتها قالت الدكتورة سامية حمبضاضة أستاذ مساعد فقه مقارن بكلية التربية جامعة الملك عبدالعزيز ان العبرة ليست في الإلزام للزوج او الزوجة بأنها يجب عليها ان تعمل كذا او كذا او الزوج والشرع لم يلزمهما. بأعمال معينة ولكن الحياة الزوجية تتطلب لاستمرارها التعاون بين الزوجين وان يحتسبوا الأجر من الله حيث ان هناك أشياء الزوج غير ملزم بتوفيرها لزوجته شرعا وكذلك الزوجة ليست ملزمة شرعا بخدمة زوجها شرعا ولكن كما قلت ان التعاون بين الزوجين في أن كلاً منهما يحاول ان يسعد الآخر بما يقوم به من خدمات وما يوفره من سبل العيش الرغيد للآخر كل ذلك يكون سبباً في استمرار حياتهما الزوجية بكل هناء وخاصة اذا كان بينهم اولاد فالزوجة في خدمتها لزوجها تأجر على ذلك لأن ذلك يوازي أجر الجهاد في سبيل الله فبمحافظتها على بيتها وأولادها وخدمة زوجها تكون أسست بيتاً وأسرة مبنية على التعاون والصلاح وبالمقابل فالزوج يجب عليه ان يوفر احتياجات الزوجة والأسرة حتى لو لم يكن ملزما بذلك شرعاً ونستشهد في ذلك بسلفنا الصالح الذين كانوا خير مثال على التعاون بين الزوج وزوجته مثلاً أسماء بنت أبي بكر وما كانت تقوم به من أعمال جليلة لزوجها حيث تخدمه في البيت وخارج البيت وهنا أقول إن الإنسان سواء الزوج او الزوجة يعملوا شيئاً لوجه الله حتى يكونوا أسرة صالحة يقوم عليها مجتمع صالح.