احمد القاضي قاص عربي سعودي من مواليد ضمد عام 1973، مثل المملكة العربية السعودية في مهرجان الشباب العربي التاسع بالإسكندرية في القصة القصيرة عام 1998، وشارك في المهرجان الثقافي لجامعات دول مجلس التعاون الخليجي المقام بالكويت في القصة القصيرة ممثلاً للمملكة أيضاً، وحصل على عدة جوائز منها جائزة صحيفة "الرياض" الثقافية، فرع القصة، عام 1996، وجائزة نادي القصة السعودي عام 1996، وأصدر مجموعته القصصية الأولى "الريح وظل الأشياء" ضمن منشورات "إبداعات عربية" عن دار "أزمنة" (عمان - الأردن) عام 2004.ان مجموعته القصصية "الريح وظل الأشياء" قصيرة جداً، وقائمة بالدرجة الأولى على الدلالية الحديثة اقتراباً من الإرشارية (العلامية)، والتصورية، والسلوكية، والسياقية، والتوليدية، والوظيفية، والوضعية المنطقية في المعنى، بانتظام الصوغ السردي مع البلاغية والإبلاغية محاولة لاستعمال المجازية والوظيفية الفعلية (التداولية) والتناصية في المبنى والمعنى. رهن مدلولاته ومعانيه بالتناص، كالإهداء والإحالة والإشارة والعنونة لإنجاح خطابه الوجداني والحواري مع الذات والآخر، وبدأ التناص مع إهداء مجموعته لوالديه الأب والأم "إليهما كما ربياني صغيراً" (ص5)، وأوضحت العنونية السردية عن معاني الكلمات وإشاراتها الى محتويات التعبير السردي داخل النصوص القصصية الوجيزة الماحاً الى المفاهيم العامة وتمظهراتها في السياق النصي الذاتي من خلال وصف البيئة والطبيعة والعلاقات الاجتماعية الهادرة لهذه الذات التي صارت أشد قلقاً وخوفاً، وتعالقت العنونة مع الإحالة والتضمين بإيراد عبارات اسلامية وإنسانية وشعبية قليلاً. حوت المجموعة القصصية قسمين، القسم الأول تحت عنوان "وجوه" تلاقياً بين السرد والتخييل والأخيولة (الغرائب والعجائب - الفنطزة)، والقسم الثاني تحت عنوان "يختفي يختفي" تعزيزاً للخطاب الذاتي تصوراً وسلوكاً للمشكلات الشخصية والاجتماعية المؤلمة. ضم القسم الأول تسع اقاصيص، أولها "رغبات"، توحي الى ضياع الممارسات المتعبة في غير محلها عند هذا الشخص المتمني لتحقيق امنياته باسم التخييل، على ان هناك ثمة حد بين الحرية والقيود تحت وطأة المتاعب التي لا تنقطع عن المرء: - هكذا نحن نعتصر افواه الآخرين لقول نعم. - سنجد هناك رغبات ألذ. - لكن أين؟ - في عنق الزجاجة.. - إننا نطير الآن (ص11). في اقصوصة "مخلوقات طيارة" اوجاع التدخين وأمثاله، وضغوط الألم على النفس والجسد ادغاماً للتورية الدلالية في الأخيولة، حيث غرائب الأحوال: "وقريباً من فمه نفخ بتنهيدة احالت الهواء الى مخلوقات طيارة" (ص14). وهذه التورية الدلالية باعثة للوجود الضمني والمفهوم الكامن في الملفوظية المضمرة ضمن عبارة العنوان والجملة الأخيرة في السرد: "مخلوقات طيارة". كانت أقصوصة "شعر يلعب بالريح" مبينة بالأخيولة كذلك، عن مشكلات الحياة اليومية من داخل الأسرة الى خارجها، شان العنونة وتناصها ضمن سياق التحفيز الجمالي، وغير الواقعي، وتفيد كلمة "شعر" احساس الراوي المتكلم عن تجربته ذات الخلل الذاتي، وهذا مشار اليه في كثرة العبارات المجازية كأقواله: - لم أشأ فتح ابواب الرزق الحقيقية بقدر ماهي عادة اذكى نارها الجميلة الأصدقاء وأبي وبعض الجيران. - فيعبرني ظلها كسحابة، او كوصيفة تحمل طرحتها. - أعرفها بطرقة تسريحة ظلها. - لا أزال أمعن النظر في كتابي لتقطع تواصله المزعوم حين يحوم داكن ظلها ارفع رأسي وفمي ممتليء بعبارات تبحث في زوايا قلبها عن اسمي. - فتطير كل العبارات التي حاولت نظمها لها في الذاكرة (ص 15- 16). ثم اختتمت العبارات بالحوار مع الآخر وحوار الوجدان تقرباً من الوضعية المنطقية في المعنى حيث الإشارة الى معنى التجربة الخانقة للذات من الواقع الى التخييل: "قال لي: الظل سوف يغمرك فلا تأته. أنت فقط من تزيل التراب عن قدميك. عندما يغمر كالظل سيغمرك التراب" (ص16). توسع السرد القصير في اقصوصة "درب لا ينتهي" باستخدام التورية عند تحليل مفردات الدرب وعباراته المشيرة الى منظورات الأوقاف والأوضاع في حياة الفرد مع اسرته، وارتبطت المعاني بالعبارة الأخيرة: "من تتبعوا الطريق الذي سلكه وجدوا أشياءه مبعثرة على نفس الدرب، وفي آخر الدرب جثة ممزقة، واللوحة المعدنية التي حملها عند رأسه كشاهد قبر ليس واضحاً عليها سوى النهاية" (ص21). صاغ الراوي في أقصوصة "بعض التعب" رسالة لصدقه العزيز ايوب تناظماً مع السلوكية ومدلولاتها بما يفيد مكنونات العبارات في السلوك والمسلك السيئ، لأن الأفراد يواجهون غالباً الأذى والغصب والعذاب من سوء العلاقات، كقوله: "اشتغلت اول يوم وصلت الى هنا عند ام اصحاب المنازل الكبيرة، لقد بنيت له جداراً ما بين (المقلّط) الرجالي و(المقلّط) النسائي، لقد تفننت فيه على الرغم من خبرتي المتواضعة" (ص 23- 24). ثمة استعادة للتاريخ في قصة "ربما بابلي" إلى جانب التناص، إهداء "إلى كل الأطفال الجوعى والمرضى، هم لا يغنيهم السبب" (ص 26) وعبارة مفتاحية عن "بغداد مرة أخرى" (ص 27)، في المقطع الثاني من القصة، وتتناول الدلالة السياقية مدى خرق الوجدان بتأثير الخيبات العامة من المشكلات القديمة في بابل إلى الراهنة في بغداد: "كان هناك سهم يشير إلى كرسي بجانب النافذة الأثيرة، وأمامه طاولة عليها قهوة عربية حارة جداً كتب على السهم هنا (نفسي). إلا أنني عندما فتشت وحدقت لم أجدني" (ص 28). هناك تواصل التورية بالتخييل في قصة "من يترك الأنثى تمطر" عند تجمع خمسة أشخاص مع خمسة أطياف تتبدى في خمسة رسائل مجهة للماء، وأظهرت الرسالة الأولى المحاصرة، والرسالة الثانية الخشية، والرسالة الثالثة الدحرجة، والرسالة الرابعة التثاؤب، والرسالة الخامسة الصمت الأبدي، ما دام الوضع الاجتماعي والإنساني مغلق. أما أقصوصة "لوحة" فتؤشر إلى لوحة الوجود من حال لأخرى حيث ضعف الإبصار في الأسلاك المجروحة و"السحابة السوداء ضاغطة بكل قوتها على الشمس" (ص 33- 34)، إنها أحوال الإرهاق في العقلية الصامتة، ما لم تضأ البصائر في قلق البصر والإشعاع، واستمر ضباب الأحوال، وتضليل البصر، وفقدان الهيبة، ونهك الأضواء، وضعف الهوية، في أقصوصة "أرواح تتقزم" إزاء الإهمال وتغييب الذاكرة وإغفال الأقدار بما يؤدي إلى إحكام "إقفال الأزرار إلى الرقبة، والأكمام إلى مفصل الإبهام، والأثواب بطولها حتى الكعوب، وبابتسامة عريضة، فالتكشير عادة سيئة"، وقد اتشحت الأماكن والأمور بسواد غيمة متشنجة، ما لم تعدل الأوقاف المغلوطة، "لأن الحقيقة مغرية، ولم تعد نفسها الجدران. أصبحت الأرواح تتقزم" (ص 36). تعزز الخطاب الذاتي تصوراً وسلوكاً عن المشكلات الشخصية والاجتماعية المؤلمة في قصص "يختفي يختفي"، ففي قصة "ماء يبللني أو الغرفة العتيقة" مخاطبة ذاتية عن هدى التخلص من الإفساد والضعف والخيبة نحو وهج البصر والبصيرة من التعاطف والترائي مع الفضائل والفاضلين إلى رشاد المنظورات الظاهرة والكامنة، وكانت الدلالة التوليدية والوظيفية مع التناص بالإهداء إلى أخيه ناصر، وبذكر لفظية "الموجدة المكية من قصيدة الشاعر محمد حبيبي: "أن تمسح صحن المكان فترى الطير حول الأصابع وبين الضلوع وعلى عتبات الرجال (فروع المصلين)" (ص 39). وكلما تعالت الدرجات المستحدثة، وجرى التفاهم مع الذكرى والتذاكر وأقاصي الفضاءات تتخلص القلوب من عبق الحجر والنفس ليتم التلاقي مع الذات والآخر. بنيت أقصوصة "العارفون" على قيمة الأمهات ذوات الطبيعة، وضرورة نفي العلاقات المهدورة بين آدم وحواء، وكان التناص الدلالي بالإحالة إلى "الفتوحات المكية" لابن عربي، لكشف تأثير المدونات والملاحظات والصور الركيكية" قليلة الإضاءة تتنازع سلفاً لممثل هذه التحقيقات. لم يكن حديث العارف بالذي يتعارض، وما اتفق عليه اجتماعياً في أدنى مستوياته، لكنهم يقولون إنه خارج لعبة قوانين تنظيم العارفين التي تعطي تصاريح خاصة لبعضهم" (ص 42). إن الترنح كامن في الممارسة ونسيان الذاكرة، وإغفال الغموض والرهبة الروحانية وحركاته وإيماءاته، وتفضي إلى احتباس الظواهر وبعض الإشارات، وتحكم الذهول والإدهاش في النظرات غير الفاحصة. تفاصح خطاب الذات ومخاطبته في أقصوصة "يمتصني وينفثني" كقوله: "يمتصني الليل وحيداً، ينفثني في سماوات بعيدة" (ص 44)، ثم قام التأثير الداخلي والخارجي على الذات بالتورية الشاملة في أقصوصة "إصبع مغناطيس ممتع"، من الفهم الذهني إلى الرشاد الفعلي، وتفضي هذه التأثيرات إلى صراعات معارك طاحنة بين البشر: "ظللت لسنوات أمرغ هذه الأصابع في التراب، ثم أحصي بشكل مضن الشعيرات العالقة به" (ص 45). أشارت أقصوصة "عمادية تغيب" إلى ضرورة عدم تغييب العلاقات السليمة لئلا تتوارى صور الأشخاص ومحاسن مواقفهم، غير أن أقصوصة "صرخات" تنفي الرشوة أو "الحكة الاجتماعية" (ص 49)، ودعت أقصوصة "أحياناً" التخلص من الكوارث في الأوضاع الأخلاقية والإنسانية: "أعتقد أن أم العيال سوف تلاحظ الدبابيس والتلفاز والأحكام غير اللائقة" (ص 50)، بينما نادت أقصوصة "سواه" التعاطف مع الموجعين بتزايد نبضات القلب، وعبرّت أقصوصة "الريح وظل الأشياء"، التي تحمل اسم المجموعة القصصية، عن الأحاسيس المسيئة للذات في تعبير مجازي: "الشيء السيئ الذكر هو هذا الظل الهائم في عمق الشق، للمرة الأولى عبرني مسرعاً ظننته خيالات الظهيرة" (ص 53). في أقصوصة "ثرثرة الغبار" تعبيرات ذاتية - نفسية في توصيف حالات عديدة دفاعاً عن اليسر والأمان، وأفضى التحفيز الجمالي في أقصوصة "مريول" نحو التلاقي وقطع التفاف الأعناق، وفي أقصوصة "علائق" نحو حسن العلاقات بين الذات والطبيعة والبيئة والمجتمع، وفي أقصوصة "أحيك درب هذا الليل" نحو وهج الذات خلاصاً من العذاب والشغب بالنضج والوعي والإيمان. تجلى السرد القصصي عند أحمد القاضي بالسعي إلى تمكين الدلالية الحديثة في مجالات التحفيز الجمالي، وقوامه البلاغية والإبلاغية في تنامي الفعلية تداولياً ووظيفياً على وجه الخصوص الباعث للمعاني والدلالات.