من مصلحتنا جميعا أن يتمتع الشرق الأوسط بالأمن والاستقرار والازدهار. وخلال زيارتي للمنطقة في الفترة من 1- 4نوفمبر سوف أعمل بشكل خاص على تعميق التعاون مع شركائنا في قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. زيارتي هذه لم تكن لتأتي في وقت أكثر أهمية من هذا الوقت، حيث يشهد العالم حاليا تقلبات غير مسبوقة في أسواق المال - تقلبات تقوض الأداء الاقتصادي الحقيقي في دول العالم، بما في ذلك دول كتلك التي سأقوم بزيارتها خلال الأيام القليلة القادمة. هذه التحديات العالمية تتطلب حلولاً عالمية. والشراكات قديمة العهد بين المملكة المتحدة ودول الخليج سوف تلعب دورا هاما في هذا الحل العالمي. حيث يتمتع الشعب البريطاني وشعوب منطقة الخليج بعلاقات وثيقة وفريدة ممتدة منذ حوالي قرنين من الزمان، وتاريخيا فإننا نفهم بعضنا البعض تماما. واليوم هناك ما يفوق مئة وخمسين ألفا من المواطنين البريطانيين يعملون في الخليج، بينما الكثيرون غيرهم يقومون بزيارات إلى الخليج. كما أن هنالك مئات الآلاف من الخليجيين ممن يأتون لزيارة بريطانيا كل عام سواء في زيارات عمل أو للسياحة. ونحن نريد أن ننمي هذا التفاهم وتلك الروابط بينما نطور علاقات جديدة في هذا القرن الجديد، ونواجه التحديات التي يحملها إلينا عصر عالمي جديد. تعتبر منطقة الخليج منذ سنوات طويلة إحدى أكثر المناطق الديناميكية والجاذبة لإقامة علاقات تجارية معها، منطقة تحظى الشركات البريطانية فيها بكل الترحاب والاحترام والثقة. واليوم هناك فرص حقيقية وكبيرة لنقل العلاقات التجارية والاستثمارية المتبادلة بيننا إلى مستويات جديدة. ودعم قدرات الشركات على إقامة علاقات تجارية مع الدول الأخرى في سوق يسودها التنافس - وفي ظل الظروف الاقتصادية المليئة بالتحديات التي نواجهها حاليا - يعتبر أهم من أي وقت مضى. وفي هذا السياق من المشجع أن نشهد تحرير وتنوع الاقتصاد في دول المنطقة؛ وكسر الحواجز أمام التجارة والاستثمار؛ وعمل الديناميكيات والروح التجارية على فتح الفرص الاستثمارية في جميع القطاعات: من النقل إلى الخدمات المالية، ومن الرعاية الصحية إلى الطاقة المتجددة. لكن في نفس الوقت هنالك كذلك تحديات كبيرة - بما فيها الحاجة لخلق الوظائف وتنمية الثروات للشعوب المحلية؛ وتوسيع البنية التحتية لأجل استمرارية النمو؛ وتوافر مهارات عالمية المستوى تكون قوة دافعة وراء الإبداع وقوة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. فحوالي 70% من شعوب منطقة الخليج تقل أعمارهم عن 30عاما، من بينهم 50% تقل أعمارهم عن 20عاما، وهذا يعني بأن عدد الداخلين إلى سوق العمل كل عام سوف يتضاعف ما بين الآن وعام 2025، ما سيؤدي لوجود حاجة لاستثمارات غير مسبوقة في مجال التعليم والتدريب المهني. وفي جميع تلك المجالات هناك إمكانية هائلة لقيام شراكات عالمية ما بين دول الخليج والدول الصناعية الكبرى في العالم، وبريطانيا لديها كل الإمكانيات لتوفير المعرفة والمهارات والتكنولوجيات الضرورية لدفع النمو والرخاء على المدى الطويل. منطقة الخليج سوق كبيرة بالفعل مفتوحة أمام البضائع والخدمات البريطانية. حيث أن إجمالي صادرات البضائع البريطانية إلى منطقة الخليج قد فاق 6مليارات جنيه إسترليني خلال عام 2007، يُضاف إليها صادرات الخدمات التي بلغت 6مليارات جنيه إسترليني. وتصل قيمة استثمارات الشركات البريطانية في كل من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة إلى مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية، وهي تشمل ما هو أوسع من قطاع النفط والغاز المنتعش. لكن هذه ليست حركة باتجاه واحد فقط؛ حيث بلغ إجمالي صادرات دول الخليج مجتمعة من البضائع إلى المملكة المتحدة 3مليارات جنيه إسترليني في عام 2007، كما أن استثماراتها في المملكة المتحدة في مجال السندات المالية والعقارات والشركات هي كذلك استثمارات كبيرة وفي نمو مضطرد. هناك فرص هائلة لتحقيق رخاء أكبر تلوح الآن أمام دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة. فالطموح وسرعة وعمق التغيير في الخليج يفتحون إمكانات هائلة أمام الشركات البريطانية - ووجود هذا العدد الكبير من كبار مسؤولي الشركات معي في هذه الرحلة هو برهان قوي على أهمية الشراكة المتنامية والمتزايدة في عمقها بين المملكة المتحدة ودول الخليج. فالمملكة المتحدة تعرض شراكة طبيعية في خدمات عالمية المستوى وصناعات مبتكرة ذات تقنية عالية، وشبكة من الجامعات ومراكز الأبحاث ومراكز المعرفة ذات السمعة العالمية. ويتعاون المجلس الثقافي البريطاني مع المؤسسات التي توفر تعليم اللغة الإنجليزية ومؤسسات التعليم الجامعي والعالي لتوفير مستوى رفيع من تعليم اللغة الإنجليزية وتنمية المهارات لمئات الآلاف من شباب وشابات المنطقة، وذلك من خلال شراكات تم بناؤها مع المؤسسات التعليمية في المنطقة. وبالنظر إلى سجلها المتين من الاستقرار الاقتصادي والانفتاح وتشجيع تطوير الأعمال الخاصة، فإن المملكة المتحدة قادرة تماما على توثيق وتنمية سمعتها ومكانتها كوجهة تختارها الشركات الخليجية لتأسيس أعمالها والاستثمار فيها. ونمو صناديق الاستثمارات السيادية يعتبر من أبرز مميزات موجة العولمة التي نشهدها حاليا. وترحب المملكة المتحدة بالدور الإيجابي الذي تلعبه صناديق استثمارات سيادية كتلك التي تديرها الإمارات العربية المتحدة وقطر من حيث تخصيص رؤوس الأموال بفعالية والفوائد التي تجلبها هذه الصناديق على الاقتصاد العالمي من خلال نظرتهم طويلة المدى في القرارات الاستثمارية التي يتخذونها. ولضمان وجود بيئة شفافة تدعم استثمارات الصناديق السيادية، صادقنا تماما على مبادرة صندوق النقد الدولي لتطوير مجموعة من المبادئ. وبالطبع فإن المملكة المتحدة، بتاريخها الطويل من الانفتاح أمام الاستثمارات، سوف تستمر بكونها مقرا محايدا تستثمر فيه الصناديق السيادية. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن كون منطقة الخليج تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء سوف يساعد في ضمان استمرارية إمدادات الطاقة لتلبية الطلب العالمي. وقد دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في شهر يونيو إلى اجتماع جديد من نوعه بين المنتجين والمستهلكين، طالب من خلاله بالعمل على تحقيق استقرار أكبر في أسعار النفط، كما دعا إلى عقد اجتماع آخر في لندن. فتقلب الأوضاع ليس من مصلحة أحد، وعلينا الحفاظ على الشجاعة السياسية لبناء حوار حقيقي ومشروع ما بين الدول المنتجة والدول المستهلكة. حيث أنه فقط بالعمل مع بعضنا البعض يمكننا تحقيق مصالحنا المشتركة في سوق نفط عالمية مستقرة، ومن خلالها بناء الحلول العالمية التي تعتمد عليها استمرارية اقتصادنا العالمي. كما تلعب منطقة الخليج دورا هاما في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة. فسلوك إيران الحالي فيه تحد خطير لنا جميعا في المجتمع الدولي: سواء بدعمها للإرهاب في المنطقة أو رفضها تبديد المخاوف لدى المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، حتى بعد أن طلبت منها ذلك الأممالمتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذه جميعها مخاوف تشترك بها المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد المساهمة في استقرار الشرق الأوسط؛ وإن كانت تريد ذلك فعليها تغيير سياساتها تبعا لذلك. كما أننا نعمل مع شركائنا في الخليج للبناء على عملية أنابوليس ومبادرة السلام العربية لتحقيق حل وجود دولتين في إسرائيل/فلسطين. وفيما يتعلق بالعراق، فإن استراتيجية المنطقة ستكون مهمة كذلك، وإننا نشيد بدول الخليج والدول العربية التي عيّنت سفراء لها لدى العراق. كما باستطاعة دول الخليج المساعدة في تهيئة ظروف الاستقرار من خلال التمويل الذي تقدمه للدول النامية، داخل وخارج العالم الإسلامي على حد سواء. فلدى دول الخليج تاريخ متين من المساعدات التنموية، وتدفق الأموال من منطقة الخليج يساعد في تعجيل إحراز تقدم تجاه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وتحسين معيشة الشعوب في الدول النامية. وقد كانت هذه الدول من بين المساهمين البارزين خلال اجتماع الأممالمتحدة الأخير حول الأهداف الإنمائية للألفية، بما في ذلك التزام المملكة العربية السعودية بتقديم 500مليون دولار أمريكي لتوفير التعليم الابتدائي للجميع. فمبادرة دبي العطاء، التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2007، والتي تعمل على توزيع 470مليون جنيه إسترليني من المنح لسد الثغرات في التعليم الابتدائي في الدول الإسلامية، وكذلك مبادرة أيادي الخير نحو آسيا، وهي مؤسسة تعليمية تعمل ضمن نطاق مؤسسة قطر التي ترأسها الشيخة موزة، هي من بين المبادرات التي لها تأثير إيجابي حقيقي. وأمام دول المنطقة الفرصة لأن تتولى دورا قياديا أكبر خلال مؤتمر حول التمويل لأجل التنمية الذي تستضيفه قطر في نهاية شهر نوفمبر، والذي يجمع بين المانحين والدول النامية. سوف يتيح هذا اللقاء الفرصة لتوجيه رسائل هامة بشأن الاستمرار في تقديم المساعدات التنموية في ظل الأزمة المالية التي يمر بها العالم حاليا. تقف هذه المجالات بمثابة تحديات كبيرة تواجهها دول الخليج وبريطانيا على حد سواء. والشراكات والمبادرات التي أصفها تعبر عن التعاون الوثيق ما بين المملكة المتحدة ومنطقة الخليج في مواجهة هذه التحديات. وإنني على يقين بأن تعاوننا سوف يستمر لفترة طويلة بعد زيارتي هذه.